المبحث الثاني : أقسامه
المطلب الاول : المنهج الجدلي القديم هو الذي يعرف في المنطق اليوناني ب (صناعة الجدل) وب (آداب المناظرة) كما عنونت به بعض الكتب العربية التي صنفت فيه. ويعرفه الجرجاني بقوله: (الجدل: هو القياس المؤلف من المشهورات والمسلمات. والغرض منه: إلزام الخصم وإفحام من هو قاصر عن إدراك مقدمات البرهان) (1) ويقوم بالعناصر التالية: ١ - تتألف شخوصه من طرفي الحوار والنقاش، وهما:
أ - الطرف المجيب: وهو الذي يقف موقف المدافع والمحامي عن أفكاره وآرائه أثناء الهجوم عليه من الطرف الثاني.
ب - الطرف السائل: وهو الذي يقف موقف المهاجم والناقد لأفكار وآراء الطرف الأول.
٢ - تتألف مادته العلمية التي تعتمد في المناقشة والمحاورة من:
أ - القضايا المشهورات: وهي التي اشتهرت بين الناس واشتهر التصديق بها عند العقلاء. وتستخدم هنا كمبادئ مشتركة بالنسبة للسائل والمجيب.
ب - القضايا المسلمات: وهي التي قام التسالم بين الطرفين على صدقها. ويختص استخدامها هنا بالسائل.
٣ - تتألف أدوات الجدل - وهي الأوصاف التي ينبغي أن تتوافر في المجيب - من التالي:
أ - معرفته واستحضاره لمختلف القضايا المشهورات التي تتطلبها المجادلة.
ب - تمييزه بين معاني الألفاظ المشتركة والمنقولة والمشككة والمتواطئة والمتباينة والمترادفة، وما إليها من أحوال الألفاظ المذكورة في علم المنطق.
ج - تمييزه بين المتشابهات بما يرفع الإشتباه بينها.
د - القدرة على معرفة الفروق بين الأشياء المختلفة.
٤ - تتألف التعليمات للسائل بما ينبغي أن يتحلى به من أوصاف من التالي:
أ - أن يكون على علم بالموضع أو المواضع التي منها يستخرج المقدمة المشهورة اللازمة له. والموضع - هنا - مصطلح منطقي يراد به: الأصل أو القاعدة الكلية التي تتفرع منها قضايا مشهورة.
ب - أن يهيئ في نفسه الطريقة التي يتوسل بها لتسليم المجيب بالمقدمة.
ج - أن لا يصرح بهدفه من إثارة النقاش إلا بعد اعتراف وتسليم المجيب بما يريد والتأكد من عدم بقاء أي مجال عنده للإنكار.
هذه أهم العناصر الرئيسية للجدل، نقلتها باختصار وتصرف من كتاب (المنطق) - ج ٣: صناعة الجدل - لأستاذنا الشيخ المظفر.
المطلب الثاني : المنهج الجدلي الحديث: ويعرف بالمنطق الديالكتيكي نسبة إلى (dialectic) الكلمة الإنجليزية التي تعني الجدل الذي هو المناقشة بطريقة الحوار (2) وذلك لأن المادية الجدلية dialectical materialism - في المذهب الماركسي - (تذهب إلى القول بأن الأشياء كلها تنطوي على جوانب أو مظاهر متناقضة، وبأن التوترات والصراعات هي القوة الدافعة التي تحدث التغير) (3) وهو - كما هو معلوم - منطق الفلسفة الماركسية.
هوامش : أصول البحث الدكتور عبد الهادي الفضلي مؤسسة دار الكتاب الإسلامي قم – إيران ص 63،64،65 يقول الدكتور صفوت حامد مبارك في كتابه (الفكر الماركسي) (1)
والماركسيون يرون أن هذا المنهج يختلف عن مناهج العلوم المختلفة إذ ييسر الطريق إلى فهم كل الميادين: الطبيعة والمجتمع والفكر، خلافا لمناهج العلوم المفردة التي لا تعين إلا على فهم مجال واحد من مجالات العلم والعمل ويقول أيضا: والماركسيون يرون أن منهجهم هذا هو المنهج العلمي الوحيد إذا أنه يستند إلى أحدث إنجازات العلم والخبرة الإنسانية، فهو يرى أن العالم في حركة دائمة وفي تجدد مستمر، وليس هناك شئ مطلق، كل ما في الكون يتطور باستمرار، ويتجه في حركته من أدنى إلى أعلى. وحركة الكون وتطوره الدائمان نابعان من التناقضات الكامنة في جميع أجزائه، هذه التناقضات التي تؤدي إلى صراع بين الجديد والقديم، صراع ينتهي بالانتصار الحتمي للجديد فالديالكتيك هو - إذن في نظر ماركس -: علم القوانين العامة للحركة سواء في العالم الخارجي أم الفكر البشري) (2) ويعرف لينين الديالكتيك بقوله: (الديالكتيك بمعناه الدقيق: هو دراسة التناقض في صميم جوهر الأشياء) (3) ويوضحه ستالين بقوله: (إن نقطة الابتداء في الديالكتيك خلافا للميتافيزية هي وجهة النظر القائمة على أن كل أشياء الطبيعة وحوادثها تحوي تناقضات داخلية، لأن لها جميعا جانبا سلبيا وجانبا إيجابيا، ماضيا وحاضرا، وفيها جميعا عناصر تضمحل أو تتطور، فنضال هذه المتضادات هو المحتوى الداخلي لتحول التغيرات الكمية إلى تغيرات كيفية) (4)
هوامش: [أصول البحث الدكتور عبد الهادي الفضلي مؤسسة دار الكتاب الإسلامي قم – إيران ص 65،66