إن علاقة الزواج تعتبر من أنبل و أقدس الروابط ، مجدتها الشريعة الإسلامية و إحاطتها بعناية
بالغة ،فهي السبيل الشرعي الوحيد لتكوين أسرة أساسها المودة و الرحمة و المحافظة على الأنساب.
و لان النسب حقيقة كبرى في هدا الوجود جعل الله البشر دوي نسب و دوي مصاهرة ، فذووا النسب هم الآباء و الأمهات و الأبناء و الأعمام و الأخوال ، و دوا المصاهرة هم أقرباء دوي الأنساب، فجعلت له الشريعة السمحاء ضوابط و أحكام ثابتة .
و النسب في اللغة هو القرابة و الالتحاق فنقول مثلا: " انتسب الولد إلى أبيه أي التحق
وفلان يناسب فلان فهو نسيبه أي قريبه"
أما في الشرع فالنسب هو علاقة الدم أو رباط السلالة أو النوع الذي يربط الإنسان بأصوله و فروعه و حواشيه و رباط السلالة هو السبب في تكوين الأسرة ثم العشائر و القبائل و الشعوب و الأمم .
إذا السبب الشرعي هو إلحاق الولد بابيه دينا و قانونا و حضارة ، و يبنى عليه الميراث و ينتج عنه موانع الزواج و يترتب عليه حقوق و واجبات أبوية و بنوية ، أما النسب الغير شرعي فلا يترتب عليه من ذلك شيء إطلاقا .
فالنسب طريقة يبعد العار الذي هو شعور بالذنب بمخالفة الفرد قواعد الحياة التي فطر عليها الإنسان ، و إقرار بنعم الله و جحودها خسران يوم القيامة حيث اوجب الشارع سبحانه و تعالى نسبة الشخص الى أصله و منع المغالطة و الجحود بهدف مخالفة ما قضى الله به و جعله سنة في خلقه و من ثم كان اهتمام الإسلام بإثبات النسب و تبيان حكمه أتم بيان.
حيث حرص على أن ينسب الولد لأبيه لقول رسول الله صلى الله عليه و سلم: "الولد للفراش
و للعاهر للحجر " و لذلك يجعل النسب يتبلور في دائرة الأسرة التي تقوم على النكاح المشروع ، فتحفظ الأنساب و تقوم على العفة ، و بالتالي يكون الشارع قد شدد الخناق على كل ما يعكر صفو النسب و تخليصه مما يلتصق به من لصائق و لواحق ، و كذا إبطال الطرق الغير مشروعة التي كانت شائعة في الجاهلية من تبني و إلحاق الأولاد عن طريق الفاحشة ففي قوله تعالى فيما يخص التبني: "وما جعل ادعياكم أبناءكم ذلك قولكم بأفواهكم، و الله يقول الحق و يهدي السبيل ، ادعوهم لآبائهم هو اقسط عند الله فان لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين و مواليكم " .(1)
(1) سورة الأحزاب الآية 4 و5 .
و الأساس في النسب هو إثباته ، فان كان الميلاد واقعة فان النسب إثبات ، و إذا كان المولود
وجودا فان النسب انتماء.
وقد سارت على هذا الدرب جل التشريعات العربية عامة و التشريع الجزائري خاصة ، و نضمه
المشرع في المواد من 40 إلى 46 من قانون الأسرة ، وقد نصت المادة 40 من قانون الأسرة الجزائري على طرق إثبات النسب و حددتها بكل من الزواج الصحيح، و الفاسد و الدخول بالشبهة و الإقرار و البينة ، ومع اصطدام إحكام إثبات النسب التي نضمها المشرع ثم القانون تنظيما دقيقا و محكما بالتطورات و الاكتشافات العلمية خاصة منها في المجال الطبي و البيولوجي كان على المشرع أن يتماشى و هذا التطور العلمي فكانت هذه المادة محل تعديل بموجب الأمر 05-02 المؤرخ في 27 فبراير 2005 حيث تم استبدال في نص المادة "حرف الواو " ب-أو- في الفقرة الأولى حتى لا يفهم أن إثبات النسب يقتضي مجموع أدلة الإثبات مجتمعة فكان حرف الواو حرف عطف يفيد الربط و التثبيت و "أو" تفيد التخيير، كما هو مقتضاها اللغوي ثم جاءت الفقرة الثانية و هي الجانب الجديد في التعديل (1) ، أين تم إضافة الطرق العلمية الحديثة كوسيلة لإثبات النسب متى كانت العلاقة شرعية ، وهو ما اعتبره البعض قفزة نوعية تبناها المشروع الجزائري مواكبة للتطور الذي شهده هذا المجال .
إلا أن هذا الأمر لم يخلو أبدا من التعقيدات و الترسبات التي طفت بسبب الفقهاء الذي يرجع إلى
عدم تحديد تفسير جامع مانع بمعاني هذه النصوص القانونية من جهة ، و إطلاق العنان للاجتهاد في هذا المجال رغم الخطورة التي تعتريه فنتج عن هذه القفزة التشريعية فتح أبواب التناقض بدلا من حسم النزاع فلا هو حدد مفهوما لمعنى الطرق العلمية طبقا لأحكام المادة 40 من الأمر 05/02 المعدل و المتمم لقانون الأسرة ، كون أن هذه الطرق
تخضع إلى عدة تصنيفات تجمع بين الظنية منها و القطعية ، و لا هو حدد أنواع هذه الطرق حتى لا تفتح المجال للقاضي للتناقض فيما يترتب عنها من حجية قد تخضع لها سلطته التقديرية .
و أمام هذا التكتل فقد توصل البعض إلى القول بضرورة تدخل المشرع بحصرها و تقنينها
عن طريق التنظيم كحل أولي يقيد القاضي في عدم التوسع فيها ، و ما قد يقف أمامه كعائق نظرا لحجية الخبرة الطبية المبنية على أسس علمية، و المحررة من طرف أطباء مختصين لهم باع كبير في مجال إثبات النسب بهذه الطرق .
(1) بن داود عبد القادر الوجيز في شرح قانون الأسرة الجديد ص 109
لذلك كان لازما علينا الإجابة على مجموعة من الإشكالات التي بلورت فكرة إثبات النسب
بصفة عامة و تأثير الطرق العلمية الحديثة بالمفهوم الذي جاء به المشرع و لو كان قاصرا من حيث المفهوم من خلال الإشكاليات التالية :
1- ما هي القواعد المحددة لثبوت النسب في القانون الجزائري ?
2- ما هي الجوانب الايجابية و السلبية التي تطرحها فكرة الطرق العلمية الحديثة التي أضافها المشرع
بموجب الأمر 05/02 ?
3- هل يمكن تحديد تفسير لمعنى الطرق العلمية الحديثة من خلال الحجية و سلطات القاضي في تقديرها?
و إجابة لهذه الإشكالات عالجنا هذا الموضوع من خلال الخطة التالية :
خــــــــــــطة البحـــــــــــث
مقدمة
الفصل الأول : ثبوت النسب بالفراش.
المبحث الأول : ثبوت النسب بالزواج الصحيح و ثبوته بعد فرقة الزوجين
المطلب الأول : ثبوت النسب بالزواج الصحيح.
المطلب الثاني : ثبوت النسب بعد الطلاق أو وفاة الزوج .
المبحث الثاني : ثبوت النسب بالزواج الفاسد و بنكاح الشبهة .
المطلب الأول : ثبوت النسب بالزواج الفاسد.
المطلب الثاني : ثبوت النسب بنكاح الشبهة.
الفصل الثاني : ثبوت النسب بالإقرار و البينة و بالطرق العلمية الحديثة.
المبحث الأول : ثبوت النسب بالإقرار و البينة .
المطلب الأول : ثبوت النسب بالإقرار .
المطلب الثاني : ثبوت النسب بالبينة .
المبحث الثاني : ثبوت النسب بالطرق العلمية الحديثة.
المطلب الأول : تكريس الطرق العلمية لإثبات النسب .
المطلب الثاني : القيمة القانونية للطرق العلمية.
خاتمة :
المراجع:
الفصل الأول : ثبوت النسب بالفراش :
يثبت النسب بالزواج سواء كان رسميا أو عرفيا ، و بالتالي يخضع الزواج العرفي لنفس قواعد
الزواج الرسمي عند إثبات النسب ، أي أن النسب يثبت بأربعة طرق هي : الفراش ، الإقرار البينة و الطرق العلمية و يجوز إثباته بكافة طرق الإثبات دون اشتراط تواجد الوثيقة الرسمية فالزواج العرفي إذا استوفى أركانه الشرعية و لا ينقصه إلا إثباته في وثيقة رسمية يثبت به النسب (1) هذا يعني أن المشرع الجزائري لا يزال يعترف بالزواج العرفي استنادا للمادة 22 من قانون الأسرة الجزائري "يثبت الزواج بمستخرج من سجل الحالة المدنية، و في حالة عدم تسجيله يثبت بحكم قضائي .
يجب تسجيل حكم تثبيت الزواج في الحالة المدنية بسعي من النيابة العامة " فالإقرار بالزواج
العرفي و الحكم بثبوته يعتبر كل منهما كاشفا للنسب لا منشأ له .
فالزوجية إذا السبب الأساسي في ثبوت النسب من جهة الأبوة لقول رسول الله (ص):
" الولد للفراش و للعاهر الحجر" و العاهر هو الزاني و له الحجر أي له عقوبة الرجم .
ثبوت النسب من الآثار المهمة التي تترتب عن الزواج لذلك من حق الأولاد يثبتوا نسبهم
إلى والدهم ،فالمولود يتمتع منذ ولادته بنسب أبيه و لا يهم مطلاقا إثبات هذا النسب وقت الميلاد أو
بعده (2).
فإذا كان نسب الولد إلى أمه ثابت في كل الأحوال سواء كانت الولادة شرعية أو غير شرعية ،
فان نسب الولد إلى أبيه ليس دائما سهلا كسهولة نسبه إلى أمه ذلك أن الشريعة الإسلامية و القانون لم يجعل من طريقة إثبات نسب الولد لأبيه إلا ما نصت عليه المادة 40 من قانون الأسرة الجزائري .
يثبت النسب بالزواج الصحيح أو بالإقرار أو بالبينة أو بنكاح الشبهة أو بكل زواج تم فسخه بعد الدخول طبقا للمواد 32 و33و34 من هذا القانون و يجوز للقاضي اللجوء إلى الطرق العلمية لإثبات النسب "
كما تضيف المادة 41 منه على انه: "ينسب الولد لأبيه متى كان الزواج شرعيا و أمكن الاتصال و لم ينفه بالطرق الشرعية"
ومن استقراء نص المادتين 40 و 41 يتبين لنا أن المشرع نظم ثبوت النسب بناء على وجود
(1) د/ هلال يوسف إبراهيم أحكام الزواج العرفي للمسلمين و غير المسلمين من الناحية الشرعية و القانونية سنة 1995 ص 82 .
(2) في حالة الزواج الرسمي هناك المادة 61 من قانون الحالة المدنية تنص "يصرح بالمواليد خلال 5 أيام من الولادة إلى ضابط الحالة المدنية للمكان و .........."
الزوجية سواء بالزواج الصحيح أو الفاسد أو بنكاح الشبهة و بالإقرار و البينة و بالطرق العلمية متى
التفت أسباب النشوء مع إمكانية الاتصال بين الزوجين و عدم نفي الولد بالطرق المشروعة .
أما المادة 43 من نفس القانون نصت على حالة ثبوت النسب من الأب بعد الفرقة من طلاق
أو وفاة :"ينسب الولد لأبيه إذا وضع الحمل خلال 10 أشهر من تاريخ الانفصال أو الوفاة ".
و تفصيلا لكل هذا قسمنا هذا الفصل إلى مبحثين : نتعرض في الأول إلى ثبوت النسب بالزواج الصحيح و بعد فرقة الزوجين وفي الثاني إلى ثبوته بالزواج الفاسد و بنكاح الشبهة .
المبحث الأول : ثبوت النسب بالزواج الصحيح و ثبوته بعد فرقة الزوجين :
ما الزواج في حقيقته إلا تنظيم لصلات الرجال و النساء على شكل معين وفق نظام خاص و
الذي ينتج عنه الإنجاب الشرعي الذي يؤدي إلى تكاثر النوع البشري و استمرار الوجود الإنساني لذا شرع الله العلاقة الزوجية وسيلة للاستقرار و التناسل ، و هذه العلاقة لا تتم إلا في إطار عقد حددت الشريعة و القانون أركانه و شروطه ، و العقد الصحيح هو السبب الشرعي لثبوت نسب الولد ،أثاء قيام الزوجية أو بعد الفرقة بين الزوجين سواء من طلاق أو وفاة.
المطلب الأول : ثبوت النسب بالزواج الصحيح
الفرع الأول : ثبوت نسب المولود عند قيام الزوجية :
لقد عرف المشرع الجزائري الزواج في المادة 4 من قانون الأسرة الجزائري بأنه "عقد رضائي
يتم بين رجل و امرأة على الوجه الشرعي ، من أهدافه تكوين أسرة أساسها المودة و الرحمة و التعاون و إحصان الزوجين و المحافظة على الأنساب "أما المادة 09 و 09 مكرر منه فقد نصتا على التوالي :
"ينعقد الزواج بتبادل رضا الزوجين"
" يجب أن تتوفر في عقد الزواج الشروط الآتية :
-أهلية الزواج
-الصداق
-الولي
-شاهدان
-انعدام الموانع الشرعية للزواج "
كما ونصت المادة 40 من نفس القانون على انه : "يثبت النسب بالزواج الصحيح......" و الزواج
الصحيح هو الذي تتوافر فيه أركان الانعقاد و شروط الصحة .
إذن إثبات نسب الولد بالفراش لا يحتاج إلى إقرار أو بينة ،لان الزوجية و هي مع زوجها بعقد صحيح يملك وحده حق الاستمتاع بها و حرام عليها أن تمكن غيره من هذا الاستمتاع و الأصل في الإنسان الأمانة و الاستقامة(1).
و ذلك يستخلص من المادة 36 من قانون الآسرة الجزائري التي تنص
" يجب على الزوجين : المحافظة على الروابط الزوجية و واجبات الحياة المشتركة......."
لكن في الميدان العملي فان الاستمتاع الذي شرع لأغراض معينة بينها الشرع و التشريع ،قد
يعترضه ما يحول دون تحقيق أهدافه الشرعية فقد تكون الزوجة كرهة لزوجها الأمر الذي يؤدي بها إلى إقامة علاقة غير شرعية ،المشكلة الأساسية تتمثل في ثبوت النسب عند حمل المرأة هل هو من زوجها ? أم انه ابن زنا أي من رجل آخر ? خاصة و إن الاكتشافات الحديثة للعلوم الطبية و البيولوجية أصبحت تلعب دورا مهما في تحديد نسب الطفل (2) الأمر الذي جعل المشرع الجزائري يدرج الطرق العلمية الحديثة كوسيلة لإثبات النسب متى كانت العلاقة شرعية ضمن نص المادة 40 من قانون الأسرة وهذا تماشيا مع التطور العلمي لوسائل الإثبات.
فمن زاوية القانون يعتبر النسب من أهم الحقوق التي تثبت للمولود لهذا حرمت الشريعة
الإسلامية و بعدها المشرع الجزائري الزنا و ابن الزنا يعد ولدا غير شرعيا لا يكتسب نسب
والده ،و المشرع حفاظا على كرامة الطفل ،أكد إلحاق الولد بابيه كل ما أمكن ذلك لان الأصل عنده نسبة الولد إلى فراش الزوجية و سار القضاء في نفس الاتجاه حيث جاء في قرار للمحكمة العليا انه "من المقرر قانونا ان يثبت النسب بالزواج الصحيح و ينسب الولد لأبيه متى كان الزواج شرعيا و أمكنه الاتصال....." (3) لكن و بالرغم من الوسائل المتعددة لإثبات النسب فالمشرع أجاز للزوج نفي النسب بالطرق المشروعة(المادة41) و لهذا فان ثبوت النسب بالزواج الصحيح يتطلب مجموعة من الشروط نتطرق لها بالتفصيل في الفرع الموالي.
(1) احمد محمود الشافعي الطلاق و حقوق الأولاد و الأقارب طبعة 1987 ص 141
(2) د/تشوار الجيلالي الزواج و الطلاق تجاه الاكتشافات الحديثة للعلوم الطبية و البيولوجية طبعة 20001 ص
163
(3) المحكمة العليا غ ا ش قرار في 20-10-98 رقم الملف 204821 المجلة القضائية عدد خاص 2001 ص
الفرع الثاني : شروط ثبوت النسب بالزواج الصحيح :
أولا: إمكانية الاتصال بين الزوجين :
وفقا لأحكام المادة 41 من قانون الأسرة الجزائري فانه من ضمن ما يشترط لإثبات نسب المولود
من أبيه أن يمكن الاتصال بين الزوجين ،فالمادة صريحة بالأخذ بما ذهب و استقر عليه جمهور الفقهاء من ان النسب يثبت بالعقد مع إمكان الدخول ، إلا أن الأحناف لم يشترطونه في الزوجين و يكفي عندهم العقد لإثبات نسب من يأتي بعده في المدة المشروعة و قد وضع كل من الفريقين رايه فيما يلى :
1- جمهور الفقهاء :
ذهبوا إلى أن الفراش يحدث بالعقد فالعقد الصحيح هو السبب في ثبوت النسب بشرط إمكان
الدخول، و يضيف المالكية الإشهاد على ذلك إذا وقع الفراق قبل الدخول و كان عدم الدخول ثابتا بالطرق الشرعية و لا يثبت النسب مثلا :إذا عقد رجل بالمشرق على امرأة بالمغرب ، ولم يكن قد حصل بين الزوجين تلاقي ظاهر و أكد الزوج انه لم يصل إليها،فلا نسب بين الزوج و الولد الذي أتت به الزوجة لكون الحمل ليس منه قطعا و هذا الحكم يوافق المالكية و الشافعية و يخالفهم في ذلك مذهب الحنيفة(1).
2- المذهب الحنفي :
يرى أن العقد الصحيح فراشا و لا حاجة لإمكان الاتصال ، و وجوده يكفي لان الاتصال لا
يطلع عليه بخلاف العقد ، و الواقع أن إثبات النسب من تاريخ العقد عند الحنفية و أن لم يتحقق الدخول أو الوطء ،إنما يقصد به حماية الولد من الضياع و ستر العرض و منع مشكلة اللقطاء، فالولد يلحق بمن له زوجية صحيحة ،مثلا عندهم لو أن رجل تزوج بامرأة و لم يلتقي بها لمدة سنة ، فولدت بعد 6 أشهر من تاريخ الزواج ثبت النسب لاحتمال تلاقيها لان الإمكان المطلوب عندهم الإمكان العقلي(2)
3- وقد ذهب ابن تيمية : إلى أكثر من ذلك فقد اشترط الدخول المحقق أي لا يثبت الفراش الا بمعرفة الدخول الحقيقي مستند إلى ما قاله الإمام احمد و حجته في ذلك إن العرف و أهل اللغة لا يعدون المرأة
فراشا إلا بعد البناء بها(3).
(1) د/ سعد فضيل الشرح قانون الأسرة الجزائري في الزواج و الطلاق طبعة 1986 ص 213
(2) عبد العزيز عامر الأحوال الشخصية في الشريعة الإسلامية فقها و قضاءا سنة 1976 ص 16
(3) احمد عمراني أحكام النسب بين الإنجاب الطبيعي و التلقيح الاصطناعي رسالة الماجستير في القانون الخاص سنة 2000 ص 24
ثانيا : ولادة الولد بين اقل و أقصى مدة الحمل :
يحتاج الجنين إلى البقاء في بطن أمه مدة يتكون فيها بناؤه و يكمل خلقه وتتم أعضاءه حتى
يخرج إلى الحياة بشرا سويا ،و من المعلوم أن النساء يلدن ل(09) أشهر و غالبا ما تنقص امرأة عن ذلك و نادرا ما تزيد . و ما استقر عليه المشرع الجزائري أن أدنى مدة الحمل هي ستة أشهر و أقصاها عشرة أشهر،و هذا ما جاء به في قانون الأسرة، حيث نصت المادة 42 منه على أن: "اقل مدة حمل ستة أشهر و أقصاها عشرة أشهر" و هذا ما استقرت عليه المحكمة العليا في قرارتها حيث جاء قرار صادر عن غرفة الأحوال الشخصية في 19/05/98 ملف رقم 193825 انه : " من المقرر شرعا أن الزواج في العدة باطل و من المقرر قانونا ان اقل مدة الحمل ستة أشهر و أقصاها عشرة أشهر....".
و بالتالي علينا تفصيل مسألتي أدنى مدة للحمل و أقصاها.
- اقل مدة الحمل 06 أشهر دليل ذلك آيتين كريمتين من القران الكريم ففي سورة الاحقاف (الاية 15) قال الله تعالى "و وصينا الإنسان بوالديه إحسانا ،حملته أمه كرها،ووضعته كرها و حمله و فصاله ثلاثون شهرا....."
و في سورة لقمان الآية(14) قال تعالى : "ووصينا الإنسان بوالديه،حملته أمه وهنا على وهن،
و فصاله في عامين....." فمن هاتين الآيتين الكريمتين يثبت أن مدة الحمل و الرضاع ثلاثون شهرا فإذا أسقطنا منها مدة الرضاع عامين أي أربعة و عشرين شهرا بقيت مدة ستة أشهر، و هي اقل مدة الحمل و هذه المدة الأقل جاءت الأبحاث الطبية الحديثة تؤيدها و تؤكد إن المولود الذي تضعه أمه بعد حمل ستة أشهر قابل للحياة شانه شان أي مولود آخر يولد بعد حمل ستة أشهر(1).
- أقصى مدة الحمل : أما هذه الأخيرة فقد اختلف فيها الأئمة و لهم في ذلك قولان (2)
القول الأول : هو لابو حنيفة ، وحاصله أن أكثر مدة الحمل سنتان ، و سنده في ذلك حديث روي عن عائشة رضي الله عنها "ما تزيد المرأة في الحمل على سنتين قدر ما يتحول ظل عمود المغزل"
القول الثاني : وهو قول الأئمة الثلاثة مالك و الشافعي و ابن حنبل و حاصله في ذلك ما رواه الدار القطني عن مالك بن انس انه كان يقول: "هذه جارتنا امرأة محمد ابن عجلان امرأة صدق و زوجها رجل صدق
(1) سميح عاطف الزين العقود طبعة 1994 ص 184
(2) محمد محي الدين عبد الحميد الأحوال الشخصية في الشريعة الإسلامية الطبعة الأولى 1984 ص 358
حملت 3 أبطن في اثنتي عشر سنة ، كل بطن في أربعة سنين".
لكن كلها أقوال متباينة و متباعدة لم يرد عليها نص لا في القران الكريم و لا في السنة
النبوية ، بينما المشرع الجزائري حددها بعشرة أشهر كما جاء به في المادة 42 المذكورة سابقا.
أما عن بداية حساب اقل و أقصى مدتي الحمل تكون من تاريخ توافر عقد الزواج الصحيح و إمكانية الاتصال بين الزوجين فلا يمكن الاعتداد بتاريخ إبرام عقد الزواج فقط.
* و بعد الحمل: تأتي الولادة كإثبات لواقع اللقاء الجنسي بين أنثى و ذكر كانا سببا في نتاج طفل، و السبب لا ينظر في ثبوته إلا بعد تحقق الولادة و تعيين المولود ،لكن الحمل بهذا المفهوم (الإنجاب الطبيعي) أي الناتج عن الاتصال الجنسي الطبيعي بين الزوجين اخذ أبعادا أخرى في وقتنا المعاصر،فلما كانت الأمومة و الأبوة أمر فطري في الإنسان واجه العلم مشكل العقم حيث توصل إلى إيجاد حل بديل عن الإنجاب الطبيعي فظهرت تقنية التلقيح الاصطناعي إلا أن هذا الأخير قد احدث تساؤلات و استفسارات عن سبب الأطفال المولودين بهذه الكيفية بالنظر إلى أحكام النسب المحددة شرعا و قانونا.
مما جعل المشرع ينص في قانون الأسرة الجديد إلى جوازية اللجوء إلى التلقيح الاصطناعي
بموجب المادة 45 مكرر و لكنه اعتمد شروطا ضرورية أولها انه لا يمكن اللجوء للتلقيح الاصطناعي إلا في إطار عقد زواج شرعي و الذي يعطي العملية أساسها القانوني.
- لهذا ارتأينا ضرورة التطرق تحت هذا العنوان إلى مسالة الإنجاب بواسطة التلقيح الاصطناعي و شروطه كونها من المستجدات التي أدرجها المشرع ضمن قانون الأسرة الجديد.
ثالثا: ثبوت النسب بواسطة التلقيح الإصطناعي :
أمام تعدد طرق حمل المرأة بعدما كان الإنجاب ينحصر في مفهومه الطبيعي فقط ظهر
الإنجاب الاصطناعي و حمل المرأة بواسطة التلقيح الاصطناعي،هذا بالإظافة الى إرتفاع عدد الراغبين في عملية التلقيح خاصة التلقيح خارج الرحم و نذكر على سبيل المثال ما تشهده عيادة" الفرابي بعنابة" حيث يوجد على مستواها 200 ملف لنساء يعانون من العقم ينتظرون دورهن لإجراء هذه العملية التي تعتبر بالنسبة لهن الأمل الوحيد في تحقيق حلم الأمومة ، فمع هذا الانقلاب العلمي و الاجتماعي وضع المشرع الجزائري ايطار قانوني و ضوابط من شانها تنظيم اللجوء إلى التلقيح الاصطناعي بشكل يجعلها تتماشى و أحكام الشريعة الإسلامية و تحريم أية علمية تستدعي تدخل طرف أجنبي عن العلاقة الشرعية ، هذا و قد كرس المشرع الجزائري في نص المادة 45 مكرر من قانون الأسرة الجديد حق اللجوء إلى
التلقيح الاصطناعي باعتباره احدث الوسائل العلمية للإنجاب مؤكدا على انه لا يمكن اللجوء إليه إلا في ايطار وجود عقد زواج الذي يعطي الأساس القانوني للعملية و منع اللجوء للأمم البديلة ، هذا كله باعتبار أن هذه الحالة هي من مستجدات العصر و من أمهات مسائل الفقه الجديدة و قد اعتمدت معايير و حددت شروط لا تتعارض مع أحكام الشرع و لا الطب.
أولا : شروط اللجوء إلى عملية التلقيح الاصطناعي :
عملية التلقيح الاصطناعي هي إدخال البذور الذكرية في الجهاز التناسلي للمرأة بغير الطريق الطبيعي ، وهذه العملية الحساسة تتم بكيفيتين هما التلقيح الداخلي و التلقيح الخارجي إلا انه و تنظيما لكل هذا ضبط المشرع هذه العملية بشروط وردت في نص المادة 45 مكرر من قانون الأسرة و هي :
1-أن يكون الزواج شرعيا :
أي أن يثبت الزواج الصحيح بين الزوجين و وجود عقد زواج يعطي العملية أساسها القانوني وقد سبق التطرق إلى هذه النقطة أي الزواج الشرعي في الفرع الأول.
2- أن يكون التلقيح برضى الزوجين و أثناء حياتهما :
و قد وضع هذا الشرط حتى يلجأ الناس الى استعمال بنوك النطاف المجمدة و ما قد ينجر عنها
من فساد و اختلاط في الأنساب و تحايل من جهة , و نظرا لكون العلاقة الزوجية تنقضي بالوفاة من جهة أخرى ,و بالتالي لا يجوز أن تلقح المرأة بنطاف زوجها تلقيحا اصطناعيا و يلحق به النسب و العلاقة الزوجية تكون قد انتفت أو انتهت كما أنه لا نسب بعد الوفاة أو أقصى مدة الحمل و التي هي عشرة شهور وفقا لأحكام قانون الأسرة لا سيما المادة 43 من قانون الأسرة(1).
3- أن يتم بمني الزوج وبويضة رحم الزوجة دون غيرهما :
أجاز المشرع التلقيح الصناعي بالوسائل العلمية الحديثة باستعمال ماء الزوجين فقط حفاظا
على حرمة النسب و شرعيته و الذي كان قد أفتى بجوازه الشيخ أحمد حماني عليه رحمة الله منذ 1973 ,ولم يكن منفردا برأيه ولا بفتواه إذا اعتمدت توصيات اللجنة الوطنية لمراجعة قانون الأسرة على مبادئ الاجتهاد الجماعي سيما اجتهاد مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الثالث بعمان الأردن أيام :11-16 أكتوبر 1986 بموجب قرار رقم 16 (04/03) الذي قرر جواز التلقيح الاصطناعي شرعا بطريقتين و حرمت ما عداها بعد الاستماع لشرح الخبراء و الأطباء و الطريقتان اللتين لا حرج من
(1) بن داود عبد القادر ،الوجيز في شرح قانون الأسرة الجديد ، ص 113
اللجوء إليهما هما وفقا لمنطوق قرار مجمع الفقه الإسلامي (1).
1- أن تأخذ نطفة من الزوج و بويضة من زوجته و يتم التلقيح خارجيا ثم تزرع اللقيحة في رحم الزوجة.
2- أن تأخذ بذرة الزوج و تحقن في الموضع المناسب من مهبل زوجته أو رحمها تلقيحا داخليا.
ثانيا : مسألة تخلف إحدى شروط عملية التلقيح الإصطناعي :
عندما أباح المشرع الجزائري اللجوء إلى عملية التلقيح الإصطناعي بموجب الأمر 05/02 المعدل والمتمم لقانون الأسرة ،وضع شروطا سبق تبيانها على الوجهالذي ذكرناه ،إلا أنه لم يوضح الجزاء المترتب على تخلف إحدى هذه الشروط الواردة في المادة 45 مكرر ،نضرا لإعتبارها شروطا في غاية الأهمية تجعل التفكير عن الاثار المترتبة على تخلفها في غاية الدقة ،ومن تمة كان لا بد من التساؤل عن هذه المسألة.
فلو تصورنا مثلا أن عملية التلقيح الإصطناعي قد تمت من غير مني الزوج أو من دون عقد زواج شرعي أو بتخلف شرط موافقة الزوج الصريحة فما أثر ذلك ? وما موقف المشرع الجزائري في هذه المسألة?
في حقيقة الأمر أن المشرع الجزائري قد وضع إيطارا قانونيا لميألة التلقيح الإصطناعي دون أن
يفكر فيما يرتبه تخلف إحدى شروطه من اثار على العلاقة الزوجية من جهة أولى وبالنسبة لثبوت ونفي
النسب في هذه الحالة لهذا ذهب الدكتور أحمد الجودي إلى القول أن النسب في حالة التلقيح الإصطناعي بغير ماء الزوج يأخذ حكم الولد الذي ينشأمن الزنا وهو ما يجعل نفيه واجبا طبقا للأحكام الشرعية(اللعان) كما أن بعض التشريعات سلكت مسلكا مخالفا لما ذهب إليه المشرع الجزائري، بحيث رتبت جزاء على كل عملية إستدعت تدخل طرف أجنبي عن العلاقة الشرعية كما هو الشأن بالنسبة للمشرع الليبي الذي دعى إلى تجريم التلقيح الإصطناعي في حالة ما إذا كانت الحيوانات المنوية من غير زوج المرأة ،في المادتين 403 مكرر (أ) و403 مكرر(ب) من قانون العقوبات الليبي (2) .
(1) قرارات و توصيات مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي بجدة ،للدورات 1-10 القرارات 1-97 عن منشورات دار القلم بدمشق و مجمع الفقه الإسلامي بجدة ،الطبعة 02 سنة 1998.
(2) د/إدوار غالي الذهبي ،دراسات في قانون العقوبات المقارن،جريمة التلقيح الإصطناعي في قانون العقوبات الليبي ، ص131
المادة 403 مكرر(أ) و 403 مكرر (ب) ،نشر هذا القانون،رقم 175 الصادر عن مجلس قيادة الثورة في الجريدة الرسمية، عدد 61 بتاريخ 23/12/1972 .
النسب في هذه الحالة لهذا ذهب الدكتور أحمد الجودي إلى القول أن النسب في حالة التلقيح الإصطناعي بغير ماء الزوج يأخذ حكم الولد الذي ينشأمن الزنا وهو ما يجعل نفيه واجبا طبقا للأحكام الشرعية(اللعان) كما أن بعض التشريعات سلكت مسلكا مخالفا لما ذهب إليه المشرع الجزائري، بحيث رتبت جزاء على كل عملية إستدعت تدخل طرف أجنبي عن العلاقة الشرعية كما هو الشأن بالنسبة للمشرع الليبي الذي دعى إلى تجريم التلقيح الإصطناعي في حالة ما إذا كانت الحيوانات المنوية من غير زوج المرأة ،في المادتين 403 مكرر (أ) و403 مكرر(ب) من قانون العقوبات الليبي (1) .
فقد جاء في نص المادة 403 مكرر (أ) أنه :"كل من لقح إمرأة تلقيحا صناعيا بالقوة أو التهديد أو الخداع يعاقب بالسجن مدة لا تزيد عن عشر سنوات..... وتكون العقوبة السجن لمدة لا تزيد على خمسة سنوات إذا كان التلقيح برضاها ،وتزاد العقوبة بمقدار النصف إذا وقعت الجريمة من طبيب أو صيدلي أو قابلة أو أحد معاونيهم "
أما المادة 403 مكرر (ب) فتنص على أنه :" تعاقب المرأة التي تقبل تلقيحها صناعيا أو تقوم بتلقيح نفسها صناعيا بالسجن مدة لا تزيد عن خمس سنوات، و يعاقب الزوج بذات العقوبة المنصوص عليها في الفقرة السابقة إذا كان التلقيح بعلمه ورضاه وسواء وقع التلقيح من الزوجة أو من الغير"
لذلك كان على المشرع التفكير في وضع إيطار جزائي لمثل هذه المخالفات كأثر يترتب على تخلف هذه الشروط التي تكتسي أهمية بالغة مثلما ذهبت إليه باقي التشريعات .
4- لا يجوز استعمال الأم البديلة :
رأي المشرع منع استعمال الأم البديلة ، حتى لا تتحول الأمومة إلى سلعة تؤجر و تستأجر ،
لأن الأمومة ليست فقط علاقة بيولوجية بل معنى الأمومة إنما يكمن في الحمل أساسا ، لذلك قال تعالى :ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن "(1) وقال "حملته أمه كرها ووضعته كرها وحمله و فصاله ثلاثون شهرا" (2).فربط القران الكريم بين الحمل و الأمومة فالتي تحمل هي الأم و ليست من تمنح البيضة لغيرها لقاء أجر معين ،فتعين من باب سد الذرائع و درأ المفسدة بمنع الأم البديلة مهما كان في هذه الطريقة من مصلحة آتية لان المفسدة فيها أكبر (3).
(1) الآية 14 من سورة لقمان.
(2) الآية 15 من سورة الأحقاف.
(3) بن داود عبد القادر،الوجيز في شرح قانون الأسرة الجديد ص113.
رابعا :عدم نفي الولد بالطرق المشروعة :
المشرع الجزائري لم يورد عبارة اللعان صراحة في المادة 41 من قانون الأسرة غير أن
عبارة اللعان وردت في المادة 138 من نفس القانون :"يمنع من الإرث اللعان و الرد".
فيستخلص من عموم عبارة "لم ينفه بالطرق المشروعة" انه رغم الحالات التي ذكرت في
المادة 40 من قانون الأسرة الجزائري لثبوت النسب إلا أن المشرع أجاز للزوج نفيه بالطرق المشروعة فطبقا للقواعد و الأحكام الشرعية العامة ،حين يظهر حمل الزوجة و تبين للزوج أنه زنى زوجته ،يحق له
أن يدعي أن هذا الحمل ليس منه ،أما إذا مضى وقت طويل نسبيا بعد الحمل أوالوضع فانه لا يقبل منه نفي نسبه،وعلى هذه المبادئ سار القضاء الجزائري في أحكامه ،وقد جاء في قرار للمحكمة العليا:"اللعان لا يتم أمام المحاكم بل مكانه المسجد العتيق ولا يصبح من غيره ولا يصبح في غيره من المساجد ،وفي أجل محدد لا يتجاوز 08 أيام من يوم العلم بالحمل الذي يراد نفيه"
هذا ما استقر عليه اجتهاد المحكمة العليا ،مع أن الإمام مالك رضي الله عنه ،فقد حدد بيوم
واحد من يوم العلم و الإسقاط الحق في المطالبة باللعان سواء لرؤية أو لنفي الحمل (1)
أما عن كيفية إجراء الملاعنة بين الزوجين فانه إذا تبين للزوج احتمال خيانة زوجته له و يريد نفي المولود الذي أتت به بين أدنى و أقصى مدة الحمل أثناء قيام الزوجية فليس له إلا أن يرفع دعوى اللعان أمام المحكمة وبعد تعيين جلسة سرية يحضرها الزوج و الزوجة ويعرض كل منهما حججه و ادعاءاته وإذا أصر الزوج على اتهام الزوجة بالزنا فان القاضي يأمره بالملاعنة وهي أن يحلف ويقول أشهد بالله أني لمن الصادقين فيما رميتها به ويكرر هذا أربع وفي الخامسة يقول أن لعنة عليه أن كان من الكاذبين ،ثم يأمر الزوجة بعد ذلك أن تحلف و تقول أشهد بالله أنه لمن الكاذبين وتكررها أربع مرات وفي المرة الخامسة تقول :"أنه غضب الله عليها إن كان من الصادقين" و بعد الانتهاء من هذه الصيغة الشرعية يثبت القاضي ذلك في حكمه ويقرر التفريق بينهما حالا بطلقة بائنة.(2)
أما حكم الامتناع عن اللعان من الناحية القانونية :
فان امتناع الزوج عن اللعان يعرضه للمتابعة بتهمة القذف تطبيقا لأحكام المادة 296
من قانون العقوبات،أما المادة 298 فتحدد العقوبة بالحبس من 5 أيام إلى 6 أشهر وبغرامة من 150 إلى 1500دج أو بإحداها.
أما إذا كان الامتناع عن اللعان من الزوجة فان أحكام المادة 341 من قانون العقوبات نصت على
1) رسالة قانونية ،سنة 2002 ، ص15 ،قرار المحكمة العليا ،غ أ ش مؤرخ في 28/10/97
(2) أحمد عمراني ،أحكام النسب بين الإنجاب الطبيعي والتلقيح الإصطناعي ، رسالة ماجستير في القانون الخاص ،سنة 2000 ص 80 .
أن تهمة الزنا لا تثبت إلا بثلاث وسائل ،بموجب محضر يحرره أحد رجال الضبط القضائي في حالة تلبس أو بإقرار وارد في رسائل أو مستندات صادرة عن المتهم أو إقرار قضائي ،ومن تم فانه بعدم توفر أحد هذه الأمور الثلاثة لا يمكن متابعة الزوجة بتهمة الزنا ،أو تفسير نكولها عن اللعان بأنه اعتراف ضمني منها بالزنا.
وعليه فإذا استطاع الزوج تقديم الدليل المذكور أعلاه فلا لعان حيث أن الزنا ثابت و اللعان
ما شرع إلا عندما لا يمكن للزوج أن يثبت الزنا بالدليل المطلوب ’لذا يمكنه قانونا رفع دعوى
اللعان أمام القضاء وقد حكم بأنه عند انعدام البينة على جريمة الزنا ،يستوجب اللعان بين الطرفين.
وتجدر الملاحظة في هذا المجال أن نفي الولد بالطرق المشروعة قد فتح أمام التعديل الذي
طرأ على المادة 40 بموجب الأمر 05/02 ،فيما يخص الطرق العلمية كوسيلة من وسائل هذا النفي ،باعتبارها من الطرق العلمية المشروعة لنفي النسب ،ذلك أن مفهوم المخالفة في ذلك أن استعمال هذه الوسائل لإثبات النسب يقتضي بالضرورة ،ومن باب أولي استعمل كذلك للنفي ،ما دامت تؤدي إلى نفس النتيجة الأكثر حتمية مقارنة باللعان الذي يبقى مجرد تصريح للزوجين يحتمل الصدق و الكذب معا .
إلا أنه و نظرا إلى كون الطرق العلمية هي الأمر الجديد في البحث و الذي خصصنا له مبحثا
كاملا في الفصل الثاني نتعرض فيه وبصورة أدق إلى دور هذه الطرق العلمية الحديثة سواء في مجال إثبات النسب أو الصورة العكسية أي نفيه نتناول هذه المسألة في العنوان المخصص لها.
المطلب الثاني: ثبوت النسب بعد الطلاق أو وفاة الزوج:
قد تكون الفرقة بين الزوجين بالطلاق أو الوفاة ، والسؤال الذي يمكن طرحه فيما يخص هذا
الموضوع هو إذا جاءت الزوجة بولد بعد الطلاق أو وفاة زوجها ،فهل ينسب إلى زوجها دون قيد أو شرط أم أنه هناك شروط لا بد من توفرها لإمكانية نسب الولد لأبيه ??
وهل أن نسب الولد لأبيه من طلاق يخضع لنفس الشروط لنسبه لأبيه من وفاة ?
لقد جددت المادة 43 من قانون الأسرة حكم المطلقة أو المتوفى عنها زوجها على أنه يثبت نسب
ولدها إذا ولدته خلال عشرة أشهر من تاريخ الانفصال أو الوفاة لكن كما هو معلوم فالطلاق رجعي و بائن إلا أن المشرع الجزائري لم يميز بين المطلقة رجعيا و المطلقة بائنا مع أن الفقهاء فرقوا بينهما ، والفرق أن الطلاق الرجعي لا يرفع قيد الزواج إلا بعد انقضاء العدة و يمكن للزوج مراجعة زوجته و مجامعتها خلال فترة العدة وقد تحمل خلال ذلك وتمضي 10 أشهر على وقوع الطلاق ،ولم يمضي بعد عشرة أشهر على المراجعة الفعلية بوقوع زوجته (1) ،أما الطلاق البائن مثل الموت يرفع قيد الزواج على الحال (2).
لذلك لا بد من التمييز بين الطلاق الرجعي و البائن.
(1) د/ العربي بلحاج ، الوجيز في شرح قانون الأسرة الجزائري ،الزواج و الطلاق ، ص 193
(2) أحمد إبراهيم بك / واصل علاء الدين أحمد إبراهيم ،أحكام الأحوال الشخصية في الشريعة و القانون سنة 1994،ص501
الفرع الأول: ثبوت نسب الولد بعد الطلاق:
أولا : نسب المولود بعد طلاق رجعي :
تنص المادة 43 من قانون الأسرة على أن الولد ينسب لأبيه إذا وضع الحمل خلال عشرة أشهر
من تاريخ الانفصال أو الوفاة.
* لكن وقبل التوسع أكثر في هذه النقطة لا بد من التعرض للغموض الذي تثيره كلمة" الانفصال" الواردة في نص المادة 43 من قانون الأسرة فالمادة 43 نصت على كلمة انفصال و التي يقابلها بالنص
.séparationالفرنسي
في حين تنص المادة 60 من نفس القانون على الطلاق الذي تقابله في النص الفرنسي كلمة .divorce
فهل المشرع قصد بالانفصال، الطلاق بمعنى الانفصال الجسدي (عدم الاتصال الجسدي) بين الزوجين مع بقائهما متزوجين أم يقصد به الطلاق بحكم من القاضي ??
فالقول أن الانفصال هو الطلاق كما هو وارد في نص المادة 60 من قانون الأسرة قد يضعنا
أمام مشكل في الواقع العملي فالطلاق في ظل القانون الجزائري لا يكون إلا بحكم وفقا للمادة 49 من قانون الأسرة ،لذلك فإننا نبدأ في حساب مدة العشرة أشهر من يوم صدور حكم الطلاق من القاضي ،لكن فهذه الوضعية تضعنا أمام صورة شاذة صورتها أنه يمكن للزوجة المطلقة أن تلد ولدا خلال مدة عشرة أشهر من تاريخ صدور حكم الطلاق وعلى هذا الأساس يثبت النسب للمطلق ويسجل في سجلات الحالة المدنية على اسمه ،إلا أن واقع الأمر أن الطفل قد أنجب خلال مدة أكبر من عشرة أشهر و هذا ما يتناقض و المبادئ الأساسية للنسب سواء شرعا أم قانونا لذلك فالمعنى الأصح للانفصال و الذي يتماشى مع أحكام النسب الشرعية هو الانفصال الفعلي بين الزوجين بغض النظر عن الطلاق بحكم القاضي الذي قد يتأخر صدوره عن تاريخ الانفصال الحقيقي للزوجين أي من يوم تلفظ الزوج للطلاق و فراقه لزوجته.
لكن و بما أن القانون لم يعطينا الحل هل حساب المدة المرجوة (العشرة أشهر) تحسب من تاريخ
الانفصال أو من تاريخ الطلاق بحكم القاضي ?
لهذا فالحل والى أن يكون النص القانوني غاية في الوضوح الأمر يعود إلى القاضي وتفسيره لكلمة "الانفصال"
أي يفسرها قياسا على القواعد العامة للنسب.
وكما قلنا سابقا أن المشرع لم يميز بين الطلاقين الرجعي والبائن ،إلا أن الطلاق الرجعي يمكن
فيه للزوج مراجعة زوجته خلال فترة العدة فيجامعها لذلك فانه إذا جاء الولد خلال فترة العدة دون إقرار الزوجة بانقضاء مدتها ففي هذه الحالة يثبت النسب من الزوج المطلق هذا سواء أتت به الزوجة لأقل مدة الحمل أو لأقصاها أو حتى لأكثر من عشرة أشهر من تاريخ الطلاق أما إذا جاء الولد بعد انقضاء العدة وهذا بإقرار الزوجة شخصيا بانتهاء المدة ففي هذه الحالة علينا التمييز بين :
- ما إذا أتت الزوجة بالطفل لأكثر من ستة أشهر من إقرارها فبذلك لا ينسب للمطلق لأنه يحتمل أن تلده الزوجة لرجل أخر.
- أما إذا جاءت بالطفل لأقل من ستة أشهر من إقرارها يثبت النسب للأب المطلق على أن المدة بين الطلاق (الفرقة) ووضع الحمل لا تتجاوز أقصى مدة الحمل وهنا يثبت أن إقرارها غير صحيح بمعنى كاذب هذا لحملها في فترة العدة التي كانت تدعي انتهائها .
إلا أننا نلاحظ من خلال نص 43 من قانون الأسرة أنها وضعت شرطا واحدا لإمكانية إلحاق الولد
بالزواج المطلق أو المتوفى عن زوجته ، وهو ولادة خلال 10 أشهر من تاريخ الانفصال أو الوفاة ،وعليه فإذا كانت الزوجة المد خول بها الحامل قد جاءت بمولود بعد يوم أو أسبوع أو شهر من وفاة زوجها أو طلاقها منه فان هذا المولود ينسب إلى الزوج دون ريب أو خلاف ،وإذا لم يكن حملها ظاهرا قبل الطلاق أو الوفاة فان هذا الولد يلحق بأبيه إذا وقعت الولادة خلال 10 أشهر من تاريخ الانفصال ،ويسجل في سجل الحالة المدنية على لقب الزوج أو اسمه ، ولكن إذا وقعت ولادته بعد مرور أكثر من 10 أشهر بعد الطلاق أو مرت فلا يثبت نسبه إلى أبيه ، إلا إذا نسبته الزوجة دون علم الزوج المطلق أو المتوفى أورثته ومن هنا من حق أي شخص له مصلحة أن يطعن في هذا النسب ويرفع دعوى أمام القضاء تتعلق بإسناد نسب
المولود إلى الزوج زورا (1).
ثانيا : نسب الولد بعد طلاق بائن :
هنا لا يمكن للزوجة أن يمسها أو يطأها أي رجل سواء زوجها أو غيره خلال فترة العدة فيثبت نسب
الولد للزوج المطلق يشترط أن يولد في مدة عشرة أشهر من تاريخ الطلاق (المادة 43 من قانون الأسرة) ،لكن إذا أقرت بانقضاء عدتها في مدة يحتمل تصديقها وجاءت بالطفل لأكثر من ستة أشهر من تاريخ الإقرار لا يثبت للمطلق.
(1) عبد العزيز سعد ،ص219.
الفرع الثاني: نسب المولود بعد وفاة الزوج:
هنا أيضا يجب التمييز بين حالة إقرار الزوجة بانقضاء عدتها أين ينسب الطفل للزوج المتوفى
إذا وضعته الزوجة في أقل مدة للحمل أي أقل من ستة أشهر هنا يثبت النسب من الزوج المتوفى لاحتمال أن يكون الحمل من غيره لكون أن العدة قد انقضت و يفترض بذلك صحة إقرارها ،أما في حالة عدم إقرار الزوجة بانقضاء عدتها فان نسب المولود يثبت للمتوفى إذا وضعته ما بين تاريخ الوفاة و أقصى مدة الحمل أي عشرة أشهر أما أكثر من ذلك فلا يثبت النسب لأنه من غير المعقول أن تكون قد حملت بعد وفاة الزوج.
- هذا عن رأي المشرع فيما يخص ثبوت النسب بعد الطلاق أو الوفاة لكن نظرة الأئمة الأربعة مختلفة ،فرأي الإمام أبو حنيفة أنه يثبت نسب المطلقة رجعيا إذا جاءت به لسنتين أو أكثر ما لم تقر بانقضاء عدتها ، ثم جاءت بولد لا يثبت نسبه إلا إذا جاءت به أقل من ستة أشهر من وقت الإقرار فانه يثبت نسبه لتيقن بقيام الحمل وقت الإقرار وهذا كذلك في المطلقة بائنا و المتوفى عنها زوجها إذا ادعت بعد أربعة عشر وعشرا انقضاء عدتها ثم جاءت بولد لتمام 06 أشهر لا يثبت نسبه من الميت وان جاءت به لأقل منها ثبت نسبه منه (1).
أما رأي المالكية و هي أربع سنين ،فعنِِِدهم إذا طلق الرجل امرأته ثلاثا أو طلاقا يملك فيه
الرجعة،فإن الولد يلزم الزوج إذا جاءت به في أربع سنين،فالمعتدة إذا أقرت بانقضاء عدتها بالقروء ثم أتت بولد بستة أشهر فصاعدا من بعد انقضاء عدتها يلحق بالزوج ما لم تتزوج أو يبلغ أربعين سنة.
(1) د/أحمد أحمد موضوع النسب في الشريعة و القانون الطبعة الأولى 1983ص 133 .
يتبببببببببببع..................