منتدى العلوم القانونية و الإدارية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى العلوم القانونية و الإدارية

منتدى البحوث و المحاضرات والكتب و المكتبات الخاصة بطلبة العلوم القانونية و الإدارية
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

شاطر
 

 محاضرات في المسؤولية الجنائية / السنة اولى ماستر حقوق ل م د تخصص قانون جنائي الجزء الاول

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
mourad medjbari
عضـو جديــد
mourad medjbari

ذكر
عدد الرسائل : 13
العمر : 34
البلد : algerie
تاريخ التسجيل : 13/12/2012

محاضرات في المسؤولية الجنائية / السنة اولى ماستر حقوق ل م د تخصص قانون جنائي الجزء الاول  Empty
مُساهمةموضوع: محاضرات في المسؤولية الجنائية / السنة اولى ماستر حقوق ل م د تخصص قانون جنائي الجزء الاول    محاضرات في المسؤولية الجنائية / السنة اولى ماستر حقوق ل م د تخصص قانون جنائي الجزء الاول  Emptyالثلاثاء مايو 07, 2013 5:29 pm

محاضرات في المسؤولية الجنائية

السنة اولى ماستر حقوق ل م د تخصص قانون جنائي



تحت اشراف الدكتورة حسينة شرون

رئيسة تحرير مجلة جيل حقوق الإنسان









الموسم الجامعي: 2012- 2013

تمهيد:

تعد المسؤولية الجزائية من أهم القواعد الاساسية في قانون العقوبات باعتبارها نظرية متكاملة وعلى الرغم من أهميتها فقد أغفل القانون رسم معالمها واكتفى بالإشارة في نصوص متفرقة إلى بعض احكامها.

فقبل قيام الثورة الفرنسية كانت المسؤولية تنسب للإنسان والحيوان على حد سواء عند ارتكاب فعل ضار، و كانت الأفعال الإجرامية و العقوبة المحددة لها تخضع للسلطة التقديرية للقاضي، فكان الشخص إذا أتى فعلا لم يكن مجرما بنص قانوني ورغم ذلك رأى القاضي أن ذلك الفعل يستحق العقاب فإن ذلك الشخص حتما يعاقب.

كما كان فاقد الإدراك وحرية الاختيار يعاقب على ارتكابه الجريمة كما يعاقب من قام بها عن وعي وإرادة، وبقيام الثورة الفرنسية زالت هذه الأفكار وحلت محلها مبادئ جديدة جعلت الإدراك وحرية الاختيار أساسا لقيام المسؤولية الجزائية، و أصبح المبدأ الأساسي الذي تقوم عليه سياسة التجريم و العقاب أنه لا جريمة و لا عقوبة إلا بنص القانون وقرنية براءة المتهم إلى أن تثبت إدانته.

وبعد هذه اللمحة الوجيزة حول تطور المسؤولية الجزائية نتطرق فيما يلي لمفهوم المسؤولية الجزائية من خلال معرفة الأساس الذي تقوم عليه و المراحل التي مرت بها إلى أن وصلت إلى ما هي عليه اليوم.

المطلب الأول: ماهية المسؤولية الجــزائية.

إذا كانت الجريمة هي العمل الخارجي الذي نص عليه القانون وقرر له عقوبة إذا صدر عن إنسان، فالمقصود بذلك أن الدولة ترمي بمباشرة حقها في العقاب المحافظة على كيانها بصفتها دولة، و السهر على حماية الأمن و النظام العام.

ومن الواضح أن نجاح العقوبة في بلوغ الغايات المذكورة رهين بمدى إدراك من تنزل به لما تنطوي عليه من معاني بمقدار ما تسلط عليه من ألم. لذلك كان الإنسان على فرض تمتعه بالملكات التي تؤهله للإدراك والإحساس هو دون غيره الذي يصلح لان يكون محلا للمسؤولية الجزائية.

ولم تحضَ المسؤولية الجزائية بتعريف من قبل المشرع، وقد اخذت بهذا الاتجاه غالبية التشريعات وهو دون ادنى شك توجه سليم، اذ ان أي تعريف ينبغي ان يكون مانعاً جامعاً وهذا ما لا يستطيع المشرع تحقيقه نظراً الى التطور الذي يسود المجتمعات بين فترة واخرى، غير ان الفقه تعرض للمسؤولية وعرفها تعريفاً عاماً بأنها: ” الالتزام بتحمل الجزاء الذي ترتبه القواعد القانونية كأثر للفعل الذي يشكل خروجاً على احكامها “.

والمسؤولية الجزائية قال عنها البعض أنها « تعبير عن ثبوت نسبة الوضع الإجرامي للواقعة المادية التي يجرمها القانون إلى شخص معين متهم بها، بحيث يضاف هذا الوضع إلى حسابه فيتحمل تبعته ويصبح مستحقا للمؤاخذة عنه بالعقاب »

و يرى البعض أن للمسؤولية الجزائية مفهومان:.

- مفهوم مجرد: يراد به صلاحية الشخص لأن يتحمل تبعة سلوكه، و هنا نجد أن المسؤولية تتعلق بصفة الشخص، أو حالة تلازمه سواء وقع منه ما يقتضي المساءلة أو لم يقع منه شيء.

- مفهوم واقعي: يراد به تحميل الشخص تبعة سلوك صدر منه حقيقة، و هنا المسؤولية ليست مجرد صفة أو حالة قائمة بالشخص، بل هي جزاء أيضا و هذا المفهوم يحتوي المفهوم المجرد لأنه لا يتصور تحميل شخص تبعة سلوكه إلا إذا كان أهلا لتحمل هذه التبعة.

وهناك من يرى أن المسؤولية الجزائية هي « أهلية الإنسان العاقل الواعي لأن يتحمل جزاء العقاب نتيجة اقترافه جريمة من الجرائم التي نص عليها قانون العقوبات، و هو بذلك يميزها عن المسؤولية المدنية التي هي أهلية الإنسان لتحمل التعويض المترتب عن الضرر الذي ألحقه بالغير نتيجة الإخلال بالتزام قانوني أو تعاقدي ».

والمسؤولية الجزائية على الوجه السابق توضيحه ليست ركنا من أركان الجريمة إذ لا تنشا إلا إذا توافرت ابتداءا جميع أركان الجريمة، فهي أثر لاجتماع هذه الأركان في شخص عاقل مميز متمتع بحرية الاختيار في إتيان الأفعال أو الامتناع عنها، و يتوافق هذا التحليل مع اشتقاق لفظ المسؤولية فهو مرادف المساءلة أي سؤال الجاني عن السبب في اختياره الجريمة سلوكا مخالفا لما يقضي به القانون.

وفكرة المسؤولية الجزائية ليست فكرة وليدة العصر الحديث، وإنما كانت معروفة في القوانين القديمة، كل ما في الأمر أنها كانت تتحدد على نحو مخالف لما هي عليه الآن، لأن القانون إذ ينشأ في بيئة معينة فانه يتأثر بها و بمعتقداتها، و عليه فان دراسة المسؤولية الجزائية لا يجب أن تتم بمعزل عن إطارها التاريخي و لا يتحقق ذلك إلا بمعرفة أساس المسؤولية الجزائية، والمراحل التي مرت بها عبر الزمن لغاية وصولها إلى ما هي عليه اليوم.

وتبعا ذلك ندرج تحت هذا المطلب فرعين، نتناول في الفرع الأول أساس المسؤولية الجزائية و في الفرع الثاني مراحل المسؤولية الجزائية.

الفرع الأول: أساس المسؤولية الجزائية.

إن تحديد أساس المسؤولية الجزائية يعتبر أمر لا غنى عنه عند رسم السياسة الجزائية. إذ أنه بمقتضاه يتم تحديد الشروط الواجب توفرها لقيام المسؤولية الجزائية وهو الذي يحدد رد الفعل الاجتماعي إزاء الجريمة إن كان عقوبة أو تدبير أمن.

كما تبرز أهمية تحديد أساس المسؤولية الجزائية بصفة خاصة بالنسبة لطوائف المجرمين الذين يشكل سلوكهم و حالاتهم الخاصة خطورة على المجتمع.

ويتمحور أساس المسؤولية الجزائية حول فكرتين أساسيتين هما حرية اختيار السلوك الإجرامي من ناحية، و حتمية السلوك الإجرامي من ناحية أخرى.

وفيما بعد ظهر مذهب يهدف للتوفيق بين حرية الاختيار و الحتمية. و هذا ما سنتطرق إليه فيما يلي:

أولا: مذهب حرية الاختيار.

يرى بعض الفقه أن المسؤولية الجزائية تقوم على أساس حرية الإنسان في الاختيار.

فكل إنسان بالغ عاقل يستطيع التمييز بين المباح و المحظور، كما يستطيع التحكم في سلوكه فلا يأتي من الأفعال إلا ما يريد. و لهذا يجب أن يسأل عما وقع منه، و أن يتحمل تبعته. و لا تنتف المسؤولية عند أنصار هذا المذهب إلا إذا فقد الشخص قدرته على الإدراك و الاختيار، لان عقابه سيكون ظلما من جهة، وغير مجد من جهة أخرى.

فمناط المسؤولية الجنائية حسب هذا المذهب هو حرية الإنسان في توجيه إرادته نحو السلوك الإجرامي، و طالما توفرت هذه الحرية الكاملة كان الإنسان مسئولا عن سلوكه و إذا انعدمت حرية الإرادة أو إذا انتقصت وجب القول بانعدام المسؤولية أو تخفيفها، فالإنسان لا يسأل جزائيا إلا في حدود القدر من الحرية التي توافرت له وقت التصرف الذي وجه إرادته فيه إلى السلوك المخالف للقانون. ويستند أنصار هذا المذهب إلى حجة رئيسية مؤداها أن حرية الاختيار هي الأساس الوحيد الذي يمكن تصوره للمسؤولية الأخلاقية أو القانونية ودون هذه الحرية لن يكون للمسؤولية معنى، ولا يمكن أن تستند إلى أساس آخر يدعمه القانون. وفي مجال القانون الجزائي يتوافق مذهب حرية الاختيار كأساس للمسؤولية الجزائية مع الوظيفة الاجتماعية لهذا القانون، فإذا كان العقاب يهدف إلى الشعور بالعدالة وجب لضمان تحقيق هذا الهدف أن لا يخضع للعقاب إلا من يكون سلوكه مستوجبا، اللوم و السلوك لا يكون كذلك إلا حين يكون وليد حرية الاختيار.

إلا أن هذا المذهب انتقد بشدة على أساس ان حرية الاختيار وهم يكذبه الواقع، ولا يمكن تأسيس المسؤولية الجزائية على أساس أخلاقي أو أدبي فالإنسان مسير لا مخير، كما انتقد هذا المذهب على أساس أنه يركز جل اهتمامه على الجريمة دون المجرم، في حين نجد أن الجريمة ما هي إلا مظهر خارجي لنفس شريرة، و دليل على وجود شخصية خطرة هي الأولي بالعناية والدراسة وذلك لاتخاذ الوسائل المناسبة لتجنب شرها.

وعلى اثر هذه الانتقادات التي وجهت لهذا المذهب ظهر مذهب آخر هو مذهب الحتمية.

ثانيا: مذهب الحتمية.

يطلق البعض على هذا المذهب اسم النظرية الواقعية أو الجبرية، التي مؤدها إن الإنسان خاضع خضوعا تاما لظروف الحياة التي لا تترك حرية الاختيار، و إن كل نشاطه الضار والنافع نتيجة حتمية لأسباب مختلفة متصلة بطبيعته وبيئته وتكوينه وهذا لا يعني ترك المجرم دون عقاب، لأن الجريمة مقدرة عليه بل يجب اتخاذ الوسائل الكفيلة بحماية المجتمع من خطورته.

حيث يقول في هذا الصدد الأستاذ جاروفالو وهو أحد أقطاب المدرسة الوضعية أنه: « لا نستطيع أن نبني قانوننا العقابي على أساس المسؤولية الأخلاقية، فإرادة الفرد تخضع وعلى الدوام لمؤثرات داخلية و خارجية ».

والمجرم حسب هذا المذهب منقاد إلى الجريمة، و لا محل لإسناد المسؤولية إليه على أسس أخلاقية، و إنما يسأل مسؤولية اجتماعية تقوم على مجرد توافر رابطة السببية بين الفعل والفاعل بشرط أن تثبت خطورة هذا الأخير على المجتمع.

وبناءا على ذلك يتجرد الجزاء الذي يتخذ قبل المجرم من كل معاني اللوم، و يصبح مجرد وسيلة دفاع اجتماعي بهدف تجنب الخطورة الإجرامية. و لا يكون داع لموانع المسؤولية فكل مجرم و لو كان مجنونا هو مصدر خطورة و لا بد من تدبير يتخذ لمواجهة هذه الخطورة.

ولكن هذا المذهب هو الآخر لم ينج من النقد.فالقول بأن المجرم مجرد آلة بيد الظروف والعوامل المختلفة قول لا يمكن التسليم به، لأنه و إن كانت الجريمة ترجع فعلا إلى عوامل مختلفة إلا أن الإرادة و حرية الاختيار هي أقوى هذه العوامل.

كما أن هذا المذهب يغفل شعور الناس بضرورة إقامة العدل، ومعاقبة المجرم على مخالفته القانون، و الاعتداء على حقوق الغير، و يهتم فقط بإجراءات الوقاية التي تحمي المجتمع مستقبلا.

وأمام هذه المواقف المتعارضة تماما حول أساس المسؤولية الجزائية ظهرت مدارس وسطية حاولت التوفيق بين الرأيين السابقين.

ثالثا: المذهب التوفيقي.

يقوم هذا المذهب على مبدأ حرية الاختيار، و لكنه يذهب الى أن هذه الحرية غير مطلقة ولا متساوية عند جميع الأشخاص. فأما انها غير مطلقة فلأن هذه الحرية هي قدرة مقاومة الدوافع و الميول المختلفة، وهذه القدرة مقيدة بطباع الإنسان و ما وجد فيه من ظروف. وأما أنها غير متساوية عند جميع الأشخاص فيعني ذلك أنها تتفاوت من شخص إلى آخر حسب ميوله ونزعاته الشخصية، بل أنها تختلف حتى عند الشخص الواحد باختلاف الأزمنة والملابسات. والتسليم بحرية الاختيار كأساس للمسؤولية الجزائية لا يعني إهمال دراسة العوامل التي تحيط بسلوك الفرد، وتتظافر مع إرادته في إنتاج الجريمة. فالعناية بشخص مرتكب الجريمة، ومحاولة استئصال خطورته الإجرامية عن طريق العقوبة أو التدبير لا يتعارض مع نسبة الجريمة إلى إرادته الحرة و لا تناقض في الجمع بين المسؤولية الجزائية التي تقوم على حرية الاختيار، والتي تقوم على توافر الخطورة الإجرامية.

وقد أقام الاتحاد الدولي لقانون العقوبات المسؤولية الجزائية على مذهب حرية الاختيار من جهة، ونادى بالخطورة الإجرامية من جهة أخرى.

أما المشرع الجزائري فقد اعترف بحرية الاختيار في إقامة المسؤولية الجزائية. والدليل على دلك أنه استبعد المسؤولية الجزائية في الحالات التي انتفت فيها حرية الاختيار حسب ما سيتم بيانه في المبحث الثاني من هذا الفصل.

ومع ذلك لم يأخذ بمبدأ حرية الاختيار على إطلاقه، وإنما هذه الحرية مقيدة تستتبع وضع تدابير أمن للحالات التي يستلزم فيها قيام المسؤولية ذلك.

الفرع الثاني: مراحل المسؤولية الجزائية.

محل المسؤولية الجزائية في التشريعات الحديثة هو الإنسان الحي الذي ارتكب سلوكا مجرما، و توافرت لديه الأهلية الجنائية. ذلك أن قانون العقوبات قانون إنساني لا يوجه أوامره و نواهيه إلا لمن يدركها. و إذا كان هذا هو الأصل العام إلا أن المسؤولية الجزائية قد تقوم بحكم القانون قبل من لا وعي له، و لا إرادة. و نقصد بالضرورة هنا الشخص المعنوي. هذا ما يجرنا للحديث على مراحل المسؤولية الجزائية.

أولا: المسؤولية الجزائية التقليدية.

لقد كانت المسؤولية الجزائية ثمرة تطور في المفاهيم الجزائية استغرق حقبة من الزمن انتهت في أواخر القرن التاسع عشر (19) إلى الإقرار بشخصية المسؤولية. ففي البداية كان أساس المسؤولية الجزائية يتمثل في الفعل المادي، و كان الإنسان يسأل عن فعله باعتباره مصدرا للضرر بصرف النظر عما إذا كان قاصدا فعله، أو غير قاصد له سواء كان مدركا لفعله، أو غير مدرك له، و سواء كان حرا أو مكرها في ارتكابه ثم جاءت التعاليم الدينية لإقامة المسؤولية على أساس الخطأ الشخصي، ولقد أقرت الشريعة الإسلامية هذا الأساس منذ أكثر من أربعة عشر قرنا. حيث نجد عدة آيات في القرآن الكريم تقيم المسؤولية على أساس الخطأ الشخصي نذكر منها:

قوله تعالى « لا تزر وازة وزر أخرى » (من الآية 37 من سورة النجـــم أ).

وقوله تعالى « من يعمل سوءا يجز به »( من الآية 123 من سورة النســاء).

وقوله تعالى « و ما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم » (من الآية 49 من سورة الشـورى).

غير أن قيام الخطأ وحده غير كاف لمساءلة شخص عن فعله المجرم قانونا و تحميله نتائج هذا الفعل، فيجب أن يكون الفاعل قد قام بالفعل و هو مدرك و قادر على اتخاذ القرار بشأن ما يفعل.

ويذهب البعض إلى القول أن الخطأ نفسه لا يتوافر عند فقدان الادارك و الوعي لأن القصد أو الإهمال يفترضان صدورهما عن إدراك ووعي، و هما شرطان لقيام الخطأ ذاته. فيما يرى البعض الآخر أن الخطأ يتوفر عند مخالفة القاعدة الجزائية، إلا أن مساءلة الفاعل تستوجب إدراكه ووعيه بما قام به. فمن كان فاقدا وعيه يخطئ إلا أنه لا يعاقب. وهذا ما أخذ به المشرع الفرنسي في المادة 122/1 من قانون العقوبات المعدل في 22/01/1992 و التي جاء فيها « إن قائد الوعي و الإدراك لا يسأل جزئيا » و كذلك المشرع الجزائري في المادة 47 قاع « لا عقوبة على من كان في حالة جنون وقت ارتكاب الجريمة »

ثانيا: المسؤولية الجزائية الحديثة.

وتضم المسؤولية عن فعل الغير ومسؤولية الشخص المعنوي. وهي التي سنرجئ دراستها للفصل الثاني.

المطلب الثاني: انتفاء المسؤولية الجــزائية.

ان تمتع الشخص بجملة من الصفات و المؤهلات الشخصية يؤهله للقيام بجملة من التصرفات النافعة أو الضارة. هذه الأخيرة التي تأخذ شكل جرائم يعاقب عنها قانون العقوبات و القوانين المكملة له و بالتالي فهذا الشخص الذي ارتكب هذه الأفعال عن وعي و إرادة يتحمل نتائجها أي قيام المسؤولية الجزائية في حقه.

ولكن قد تنشا عوارض تؤدي إلي انتفاء المسؤولية الجزائية عن هذا الشخص و قد أطلقت معظم التشريعات على هذه العوارض تعبير موانع العقاب و الأصح أن يطلق عليها تعبير موانع المسؤولية الجزائية، لان تأثيرها لا يقتصر على مجرد الإعفاء من العقاب بل يمتد إلى أركان المسؤولية الجزائية فيعطلها، و يجعلها غير صالحة لقيام هذه المسؤولية.

ولكن ما يلاحظ أن انتفاء المسؤولية الجزائية، و إفلات الفاعل من العقاب لا يمنع من خضوعه لتدابير الأمن، متى ظهرت خطورته الإجرامية على نفسه و المجتمع و قبل التطرق إلى تقسيمات موانع المسؤولية نتطرق أولا إلى أركان المسؤولية الجزائية و من ثم نعرج للحديث عن الأسباب التي تؤدي إلى إسقاط احد هذه الأركان وبالتالي انتفاء المسؤولية الجزائية، ونختم هذا المطلب بالحديث عن الفرق بين المسؤولية الجزائية والمدنية.

الفرع الأول: أركان المسؤولية الجزائية.

تقوم المسؤولية الجزائية على ركنين هما الخطأ والأهلية.

أولا: الخطأ.

هو إتيان فعل مجرم قانونا ومعاقب عليه سواء عن قصد أو عن غير قصد و لكي تقوم المسؤولية الجزائية عن عمد يجب أن تكون الفاعل على علم بكل العناصر التي يتطلبها القانون لتكوين الجريمة و هذه العناصر هي:

1- موضوع الحق المعتدى عليه: أي الحق الذي يحميه القانون عن طريق تقرير العقاب على الاعتداء الواقع عليه، و الذي ينصب عليه فعل الجاني. ففي جريمة القتل يجب أن يعلم الجاني بأنه يوجه فعله المجرم قانونا إلى إنسان حي. وعليه فالطبيب الذي يشرح جسم إنسان معتقدا أنه ميت بينما هو حي فيؤدي إلى وفاته فالقصد الجنائي لا يتوفر لديه، و إن كان يعتبر مسؤولا عن جريمة غير عمدية.

2- العلم بخطورة الفعل على المصلحة المحمية قانونا:

إذا اعتقد الفاعل أن فعله لا يكون خطرا على المصلحة المحمية قانونا ثم قام بفعله، ففعله لا يعد جريمة عمدية، بل يسأل عن جريمة غير عمدية.

3- العلم بزمان و مكان الجريمة: الأصل العام أنه إذا ارتكبت الجريمة من الجاني يعاقب عليها في كل زمان و مكان، لكن يمكن أن يشترط القانون في بعض الجرائم أن تكون في أماكن محددة مثال ذلك المادة ( 97 ق ع ) المتعلقة بجريمة التجمهر التي لا تتم إلا في مكان عام. و كذلك المادة (314 ق ع ) المتعلقة بجريمة ترك الأطفال التي لا تتم إلا في مكان خال.

كما يمكن أن يشترط القانون أن تكون بعض الجرائم في زمن محدد مثل جرائم إجراء مراسلات، أو إقامة علاقات مع مواطن، أو عملاء دولة معادية بغير إذن من الحكومة، في وقت الحرب حسب المادة (72 ق ع ).

4- العلم ببعض صفات الجاني أو المجني عليه: كعلم المرأة التي تحاول إجهاض نفسها بأنها حامل، وكذلك الأمر في جريمة الخيانة كحمل السلاح ضد الجزائر حسب المادة (61 ق ع) فلا تقوم الجريمة بصورة عمدية في هذه الحالة إلا إذا كان الفاعل يعلم أنه جزائري.

5- توقع النتيجة: بمعنى اتجاه إرادة الجاني لتحقيق هدف معين كأحد عناصر الركن المادي للجريمة، فإذا كانت الجريمة قتلا يتعين أن يتوقع الجاني وفاة إنسان بمعناها المجرد، و لا أهمية بعد ذلك لأن يكون الإنسان معينا بذاته أو جنسه أو حالته الاجتماعية، لأن هذه الأوصاف تخرج عن المدلول القانوني للنتيجة.

ثانيا: الأهليــة.

لا يحمل القانون شخصا نتائج تصرفاته إلا إذا كان قادرا على فهمها و حرا في اختيارها و باعتبار الإرادة عنصر من عناصر الأهلية للمسؤولية فهي القدرة النفسية التي يستطيع بها الشخص أن يتحكم في نشاطه العضوي، أو الذهني بحيث يستطيع أن يسلك سلوكا معينا و يمتنع عنه .

فلا تقوم المسؤولية الجنائية على شخص لا قدرة له على إدراك وفهم ما يقوم به من تصرفات. كالمجنون أو القاصر غير المميز. كما لا تقوم المسؤولية الجنائية أيضا على من أكرهته قوة غالبة لم يكن له مقوماتها، وأفقدته حرية الاختيار، كما في حالة الضرورة، والإكراه.

وبعد أن تطرقنا إلى أركان المسؤولية الجزائية نتطرق فيما يلي إلى أسباب امتناع المسؤولية الجزائية.

الفرع الثاني: أسباب امتناع المسؤولية الجزائية.

تمتنع المسؤولية الجزائية بتخلف أحد أركانها فلا مسؤولية جزائية بلا خطأ و لا مسؤولية جزائية بلا أهلية.

وعليه أسباب امتناع المسؤولية الجنائية قد تكون بسبب انعدام الأهلية وتضم صغر السن والجنون، والسكر بتحفظ. وقد تكون بسب انعدام حرية الاختيار، وتضم حالة الضرورة والإكراه.

وأسباب إمتناع المسؤولية الجزائية بصفة عامة مرتبطة بالركن المعنوي للجريمة فتجرد الفاعل من التمييز، و حرية الاختيار و تجعل إرادته غير معتبرة قانونا.

وهي ظروف شخصية لا تثار إلا بعد نسبة الجريمة إلى مرتكبها، و لا يستفيد منها إلا من توافرت فيه. كأن يشترك مجنون أو صغير في إرتكاب الجريمة فانتفاء المسؤولية لا يكون إلا بالنسبة للمجنون أو الصغير.

أولا: الفرق بين موانع المسؤولية الجنائية وأسباب الإباحة.

موانع المسؤولية هي أسباب تعرض لمرتكب الفعل فتؤثر علي إرادته وتفقدها التمييز وحرية الاختيار (صغر جنون سكر إكراه ضرورة )

وهما يتفقان في النتيجة النهائية وهي عدم توقيع العقاب إلا أنهما يختلفان في عدة أمور:

1- الأولى تزيل الصفة التجريمية عن الفعل وترده إلي الإباحة (دفاع شرعي، أداء واجب، استعمال حق)، اما الثانية تؤثر علي إرادة الشخص وتفقدها الشعور والاختيار (صغرسن، جنون، إكراه، ضرورة )

2- الأولى ذات طبيعة موضوعية لأنها تتعلق بالفعل وتزيل عنه صفة غير المشروعة فتزيل الركن الشرعي للجريمة، أما الثانية ذات طبيعة شخصية لأنها تتعلق بإرادة الفاعل فتزيل الركن المعنوي للجريمة.

ويترتب علي ذلك:

أ- أن أسباب الإباحة لا ترتب أي مسئولية مدنية أو جنائية بشرط عدم التجاوز، أما موانع المسؤولية فتمنع المسؤولية الجنائية وبالتالي العقاب، أما المسؤولية المدنية فتظل عنه قائمة لأن الفعل يظل غير مشروع .

ب- أن أسباب الإباحة يستفيد منها كل من ساهم في الجريمة إذا كان السبب مطلقا كالدفاع الشرعي . أما إذا كان نسبيا فيستفيد منه الفاعل والشركاء دون باقي الفاعلين الأصليين كممارسة العمل الطبي، أما موانع المسؤولية فيستفيد منها الشخص الذي توافرت في حقه فقط .

ج – أن أسباب الإباحة تحول دون توقيع تدبير احترازي على الفاعل لأنه لا يمثل خطورة على المجتمع لأنه أتى فعلا مشروعا، أما موانع المسؤولية كصغر السن والجنون والإكراه وحالة الضرورة فلا تحول دون توقيع تدبير احترازي، وذلك لأن الفعل يظل غير مشروع وكل ما في الأمر هو عدم توقيع العقاب .

وعلي الرغم من هذا الاختلاف فليس هناك ما يمنع من اجتماع سبب إباحة ومانع مسؤولية، كما لو دافع مجنون عن نفسه أو عن غيره دفاعا شرعيا .

ثانيا: الفرق بين موانع المسؤولية الجنائية وموانع العقاب.

1- يتفقان في عدم إزالة الصفة التجريمية عن الفعل وبالتالي جواز المساءلة المدنية وكونهما ذو طبيعة شخصية وعدم الحيلولة دون توقيع تدبير احترازي .

2- ويختلفان في كون موانع المسؤولية تقوم قبل اكتمال عناصر المسؤولية فتؤثر عليها وتعدم الإرادة التمييز وحرية الاختيار أي تنفي الركن المعنوي للجريمة , في حين أن موانع العقاب تأتي بعد تمام عناصر المسؤولية فتعفي من العقاب لأسباب تتعلق بمصلحة المجتمع في عدم توقيع العقاب.

ثالثا: الفرق بين أسباب الإباحة وموانع العقاب.

ذكرنا هذا الفرق تتمة للفائدة علي الرغم من خروج ذلك عن موضوع دراستنا الخاص بالمسؤولية الجنائية:

موانع العقاب هي أسباب قانونية تعفي من العقاب لأسباب تتعلق بحسن السياسة الجنائية كالكشف عن الجريمة والوصول للمجرم مثل إعفاء الخاطف من العقوبة إذا تزوج بالمخطوفة وإعفاء من يخبر بوجود اتفاق جنائي والمشتركين فيه قبل وقوع الجريمة من العقوبة وكذلك إعفاء الراشي والمرتشي والوسيط في جريمة الرشوة من العقوبة في حالتي الأخبار أو الاعتراف.

وموانع العقاب تفترض توافر أركان الجريمة ولكن تقدير المشرع بأن عدم العقاب يحقق فائدة أكبر للمجتمع من توقيعه.

وهما يتفقان في النتيجة النهائية وهي عدم توقيع العقاب إلا أنهما يختلفان في عدة أمور:

أ – أسباب الإباحة تزيل الصفة التجريمية عن الفعل في حين أن موانع العقاب لا تؤثر علي هذه الصفة فيظل الفعل غير مشروع.

ب- أسباب الإباحة تعفي الشريك من العقوبة أما موانع العقاب فلا تعفي الشريك من العقوبة لأن الفعل يكون جريمة ، فمانع العقاب شخصي.

ج- أن أسباب الإباحة لا ترتب أي مسؤولية مدنية أو جنائية بشرط عدم التجاوز، أما موانع العقاب فلا يحول دون المطالبة المدنية لأن الفعل يظل غير مشروع .

د- أن أسباب الإباحة تحول دون توقيع تدبير احترازي علي الفاعل لأنه لا يمثل خطورة علي المجتمع لأنه أتي فعل مشروع .

أما موانع العقاب فلا تحول دون توقيع تدبير احترازي.

وبعد أن تطرقنا إلى أركان المسؤولية الجزائية، وأسباب امتناعها والفرق بينها وبين مايشابهها، نتطرق فيما يلي إلى الفرق بين المسؤولية الجزائية والمدنية. وقد ركزنا على المسؤولية المدنية دون غيرها من المسؤوليات نظرا لأهميتها. واتصالها بالمسؤولية الجزائية في غالب الأحيان فإذا أثبتت المسؤولية الجزائية ترتبت المسؤولية المدنية بالضرورة.

الفرع الثالث: الفرق بين المسؤولية الجزائية و المسؤولية المدنية.

تختلف المسؤولية الجزائية عن المسؤولية المدنية من عدة جوانب نذكرها في النقاط التالية:

- المسؤولية الجزائية تنشأ عن فعل سبب ضررا للمجتمع، في حين أن المسؤولية المدنية تترتب من فعل أضر بصالح الفرد.

- الجزاء المترتب على الفعل المنشئ للمسؤولية الجزائية يكون عقوبة جزائية بينما الجزاء على الفعل المنشئ للمسؤولية المدنية هو التعويض.

- الذي يتولى رفع الدعوى عن المسؤولية هو الدولة و تمثلها النيابة العامة بينما الذي يرفع الدعوى عن المسؤولية المدنية هو الشخص الذي أصابه الضرر.

- الجريمة التي ترتب المسؤولية الجزائية تقع على المجتمع فليس للنيابة العامة أن تتنازل أو تتسامح فيه و لا أن تتصالح مع مرتكبه، بينما يجوز للمضرور في المسؤولية المدنية أن يتنازل عن حقه في التعويض و أن يتصالح مع المسؤول.

قد ينشأ عن الفعل مسؤولية جزائية دون أن ينشأ عنه مسؤولية مدنية ما دام لم ينشأ عنه ضرر للأفراد. مثال ذلك جريمة حمل السلاح دون ترخيص أو الشروع في القتل و بالعكس قد يرتب الفعل مسؤولية مدنية دون أن يقع تحت طائلة قانون العقوبات ويرتب مسؤولية جزائية مثل المنافسة غير المشروعة.

- الاختصاص القضائي بالنظر في الدعاوى التي ترفع عن المسؤولية الجزائية للمحاكم الجزائية وحدها، بينما الاختصاص بالنظر في دعاوى المسؤولية المدنية هو المحاكم المدنية في الأصل و استثناءا من هذا الأصل للمضرور من فعل يرتب المسؤولية الجزائية أن يرفع دعوى المدنية إلى المحكمة الجزائية التي تنظر في المسؤولية الجزائية بشرط أن يكون الضرر مترتبا على الجريمة محل المتابعة.

- تتقادم دعوى المسؤولية المدنية بمضي خمسة عشر (15) سنة حسب المادة 133 (ق م )، بينما في المسؤولية الجزائية المترتبة على جناية يسقط الحق في رفع الدعاوى بمضي عشر (10) سنوات من يوم وقوع الجناية و ثلاث(03) سنوات من يوم وقوع الجنحة، و سنتين من يوم وقوع المخالفة حسب المادتين ( 07-08 ق اج ).

- إذا رفعت الدعوى المدنية أمام المحكمة المدنية، و الدعوى العمومية أمام المحكمة الجزائية فيجب على المحكمة المدنية أن توقف الفصل في الدعوى المدنية حتى تفصل المحكمة الجزائية في الدعوى الجزائية.

- إذا رفع المدعي المدني دعواه المدنية المترتبة على جريمة إلى المحكمة المدنية فليس له أن يعدل عنها بعد إنتهاء المرافعة إلى المحكمة الجزائية، إذ أن المحكمة المدنية هي الأصل ولا يجوز العدول عن الأصل. ومع ذلك فالقضاء الفرنسي يجيز العدول إذا كانت المرافعة لم تنته بعد أو كانت المحكمة المدنية غير مختصة أما إذا رفع المدعي المدني دعواه أمام المحكمة الجزائية بالتبعية للدعوى الجزائية فان له أن يعدل عنها ويرفعها إلى المحكمة المدنية.

- الحكم الصادر في الدعوى العمومية من القضاء الجزائي إذا حاز قوة الأمر المقضي فيه، يقيد القاضي المدني فيما فصل فيه من وقائع تتعلق بموضوع الفعل المجرم فلا يجوز للقاضي المدني أن ينسب إلى شخص فعلا نفي القاضي الجزائي صدوره منه، و لكن ذلك لا يمنع القاضي المدني من أن يقضي في بعض الأحوال بتعويض ضرر مادي عن فعل لا يقع تحت طائلة قانون العقوبات.

ا
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
محاضرات في المسؤولية الجنائية / السنة اولى ماستر حقوق ل م د تخصص قانون جنائي الجزء الاول
استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» محاضرات في المسؤولية الجنائية / السنة اولى ماستر حقوق ل م د تخصص قانون جنائي الجزء الثاني
» محاضرات فى مقياس الإلتزامات (قانون مدني) لطلبة السنة الثانية حقوق
» ادارة الاعمال الاستراتيجية محاضرات القيت على طلبة ماستر تخصص دولة و مؤسسات كلية البليدة 2013
» مقاييس السداسي الاول ماستر 1 حقوق جميع التخصصات كلية الحقوق والعلوم القانونية سعد دحلب البليدة
» محاضرات علم الإجرام لطلبة السنة الثالثة حقوق

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى العلوم القانونية و الإدارية :: قسم ما بعد التدرج :: منتدي الماستر MASTER-
انتقل الى: