القواعد الامرة والقواعد المكملة
مقدمة:
المبحث الأول : المقصود بالقواعد الآمرة و القواعد المكملة
المطلب الأول : المقصود بالقواعد الآمرة
المطلب الثاني : المقصود بالقواعد المكملة
الفرع الأول : معنى القواعد المكملة
الفرع الثاني : جدوى القواعد القانونية المكملة
الفرع الثالث : قوة الإلزام في القواعد المكملة
المبحث الثاني : معايير التفرقة بين القواعد الآمرة و القواعد المكملة
المطلب الأول : المعيار اللفظي
المطلب الثاني : المعيار المعنوي
الفرع الأول : النظام العام
المقصود بالنظام العام
تطبيق فكرة النظام العام
الفرع الثاني : الآداب العامة
معنى الآداب العامة
تطبيقات فكرة الآداب العامة
سلطة القاضي في تحديد مضمون النظام العام و الآداب العامة
الخاتمة:
قائمة المراجع : 1- مدخل للعلوم القانونية لحبيب خليلي إبراهيم
2-الوجيز في نظرية القانون لمحمد سعيد جعفور
مقدمة:
عرفنا
أن القانون ينظم سلوك الأشخاص في المجتمع، غير أن القانون لا يسلك سبيلا
واحدا، بل تتعدد مسالكه ن فهو قد ينظم هذا السلوك على نحو معين لا يرتضي
بغيره بديلا. وقد ينظمه على نحو يترك فيه الأفراد حرية تنظيمه على وجه
قانوني آخر، و عليه نجد في بعض القواعد القانونية أن القانون يقيد حرية
الأفراد بحيث بمنعه من مخالفة نصوصها و حينئذ تكون هذه القواعد آمرة، أما
في بعضها الآخر فنجد أن القانون يمنح الفرد نوعا من الاختيار في تنظيم
نشاطه، و حينئذ نكون أمام القواعد المكملة.
فما المقصود بكل من هذين
النوعين من القواعد ؟ و ما معيار التفرقة بينهما ؟ هذا ما سنحاول الإجابة
عنه في هذا البحث الذي يتضمن خطة تحتوي على مبحثين، و كل مبحث ينقسم بدوره
إلى مطالب.
المبحث الأول: المقصود بكل من القواعد الآمرة و القواعد المكملة ؟
المطلب الأول: المقصود بالقواعد الآمرة règle impérative
هي
تلك القواعد التي تأمر بسلوك معين، أو تنهي عنه بحيث لا يجوز للأفراد
الاتفاق على خلاف الحكم الذي تقرره، فإن هذا الاتفاق لا يعد به و يعتبر
باطلا، و يتضح من ذلك أن هذه القواعد تمثل القيود على حرية الأفراد و هي
قيود ضرورية لإقامة النظام العام في المجتمع، و تفرض تحقيقا للمصلحة
العامة...
و من أمثلة هذه القواعد:
- القاعدة التي تنهى عن القتل أو السرقة أو التزوير أو الرشوة أو غير ذلك من الجرائم.
- القاعدة التي تأمر بأداء الضرائب أو تلك التي تأمر بأداء الخدمة الوطنية
- القاعدة التي تضع حدا أقصى لسعر الفائدة و تنهي عن تجاوزه.
-
القاعدة التي تنهي عن التعامل في تركة إنسان على قيد الحياة، فهي قاعدة
آمرة لا تجيز للشخص أن يتعامل في المال على أساس أنه سيرثه في المستقبل،
فمثل هذا التعامل يعد مضاربة على حياة المورث.
فاستخدام اصطلاح القواعد
الآمرة لا يعني أن كل القواعد التي لا يجوز الاتفاق على مخالفتها و مخالفة
الحكم الذي تقرره تتخذ صورة الأمر. فهناك قواعد تتخذ صورة النهي و تعد
قواعد آمرة لا يجوز الاتفاق على مخالفتها كقانون العقوبات مثلا:
القانون الذي ينهى عن ارتكاب الجرائم المختلفة، و لذلك استعمل بعض الفقهاء اصطلاح القواعد المطلقة règle absolues
و هو اصطلاح يظم داخله القواعد الآمرة و الناهية و رغم ذلك فنحن نستعمل
اصطلاح القواعد الآمرة الأكثر شيوعا مع مراعاة أن المقصود به الأمر و
النهي.
المطلب الثاني: المقصود بالقواعد المكملة règle supplétives :
الفرع الأول: معنى بالقواعد المكملة règle supplétives
هي
تلك القواعد التي تنظم سلوك الأفراد على نحو معين، لكن يجوز للأفراد
الاتفاق على ما يخالف حكمها، و من الواضح أن هذه القواعد على خلاف القواعد
الآمرة لا تمثل قيودا على حرية الأفراد، إذ يجوز لهم الاتفاق على خلاف ما
تقرره في تنظيم علاقاتهم في المجالات التي لا تمس فيها هذه العلاقات
بمصلحة عامة، فالقواعد المكملة تنظم علاقات يترك تنظيمها في الأصل لإرادة
الأفراد و لكن احتمال تصور إرادة الشعب عن تنظيم علاقاتهم سيشمل القانون
على قواعد احتياطية يكمل
ما اتفاقات الأفراد من نقص، أي تنطبق حيث لا
يوجد اتفاق على خلاف الأحكام التي تقررها تنظيما لمسائل تفصيلية كثيرا ما
لا تنتبه الأفراد التي تناولها بالتنظيم في اتفاقاته و من أمثلة القواعد
المكملة ما يلي:
- القاعدة التي تقرر أن الثمن يكون مستحق الوفاء في المكان و في الوقت الذي يسلم فيه المبيع ما لم يوجد اتفاق أو عرف يقضي بغير ذلك.
- القاعدة التي تفرض على المؤجر التزاما بصيانة المكان المستأجر ما لم يقضي الاتفاق بغير ذلك.
- القاعدة التي تجعل نفقات عقد البيع و التسجيل و نفقات تسليم المبيع على المشتري ما لم يوجد اتفاق أو عرف يقضي بغير ذلك.
فهناك
قواعد و ما يماثلها يجوز الاتفاق على خلاف الأحكام التي تقررها. فيمكن
مثلا الاتفاق على الوفاء بالثمن في وقت لاحق لتسليم المبيع أو الاتفاق على
تحمل البائع كل النفقات عقد البيع أو جزء منه.
و يطلق عليها بعض الفقهاء القواعد النسبية règle relatives
بالمقابلة لاصطلاح القواعد المطلقة الذي اقترحوه على القواعد الآمرة، و لا
يعني جواز الاتفاق على خلاف أحكام القواعد المكملة أن تتحول لقواعد
اختيارية موجهة للأفراد على سبيل النصح، و إنما هي قواعد قانونية بمعنى
الكلمة لها صفة الإلزام التي تميز قواعد القانون و قواعد الأخلاق.
ملاحظة: فيما يتعلق بالقواعد المكملة يجب أن يكون موضوع الاتفاق مشروع.
الفرع الثاني:
جدوى القواعد القانونية المكملة:
إذا
كانت القاعدة القانونية المكملة هي التي يجوز للأفراد الاتفاق على
مخالفتها فلماذا لم يترك لهم في بداءة أمر تنظيم علاقاتهم على النحو الذي
يرغبون فيه ؟ أي ما هي الـغاية من وجـود هذه الـقاعدة التي تـتـرك حريـة
مـخـالفـتها للأفـراد إن شاءوا ؟
إن الإجابة عن هذا السؤال تكون من زاويتين:
الأولى:
رغبة
المشرع في جعل الأفراد يستغنون عن البحث عن المسائل التفصيلية التي تنظم
علاقاتهم دفعته إلى إيجاد القواعد الكفيلة بحكم تلك العلاقات.
الثانية:
كثيرا
ما قد يكون الأفراد على غير خبرة ببعض المسائل القانونية أو كثيرا ما لا
ينتبهون إلى تنظيم بعض المسائل التفصيلية أو أنه لا وقت لديهم للبحث عن
مثل هذه التفصيلات فما عليهم سوى الاتفاق على المسائل الجوهرية و ترك ما
عداها من مسائل تفصيلية لحكم القواعد القانونية المكملة، فالقاعدة المكملة
تطبق حيث لا يوجد اتفاق من الأفراد على مسألة معينة، فمن يرم عقد بيع
مثلا: ما عليه سوى الاتفاق على المبيع و الثمن فقط، أما ما دون ذلك من
يبان لم كان تسليم المبيع و زمانه و كيفية دفع الثمن و التزامات البائع
بضمان الاستحقاق، أو بضمان العيوب الخفية، فكلها أمور وفرت القواعد
المكملة على الأفراد مشقة البحث عليها.
.