رأي الدكتور عبد الله طلبة :
قال في كتابه مبادئ القانون الإداري :
انعدام القرار الإداري :
لقد
ميز القضاء و الفقه في فرنسة و سورية في مجال القرارات المعيبة بين القرار
المعدوم و القرار الباطل معتمدين في هذه التفرقة على مدى جسامة عدم
المشروعية . فالقرار يعد معدوماً إذا بلغ في عدم مشروعيته درجة من الجسامة
تفقده صفة القرار الإداري و تجعله مجرد عمل مادي لا يتمتع بما للقرار من
امتيازات .
حالات انعدام القرار الإداري :
إن
تحديد حالات الانعدام لا تزال تثير الجدل و الأمر أيسر و أوضح في حالات
الانعدام المادي لأن القرار فيه لا يمثل إلا مجرد مظهر دون أن يتحقق فعلا
. أما الانعدام القانوني القائم على جسامة أو خطورة عدم المشروعية فيتصل
أساساً بالقرارات المعيبة بعيب عدم الاختصاص الجسيم الذي يطلق عليه عيب
اغتصاب السلطة و كذلك بالقرارات التي لا تستند لأي نص تشريعي أو تنظيمي .
و يمكننا إجمال حالات القرارات الإدارية المنعدمة بالنواحي التالية :
1 ـ صدور قرار إداري من سلطة لا تتمتع أصلاً بصلاحية اتخاذه .
2
ـ مخالفة عدم تقيد السلطة التنفيذية في قراراتها الإدارية بمبدأ فصل
السلطات و يقع ذلك حينما تتخذ سلطة إدارية قراراً إدارياً هو في الواقع من
اختصاص المحاكم المدنية . و قد ألغى مجلس الشورى السوري الأسبق بسبب ذلك
كثير من القرارات الإدارية كقرار المحافظ الذي يفصل في قضية تتعلق بحق
الملكية ( قرار رقم 15 تاريخ 22/1/1946 ) أو بحق الارتفاق و قرار رئيس
البلدية الذي يقضي بإغلاق إحدى المطاحن لأن هذه القضايا تدخل في اختصاص
المحاكم القضائية بحسب التشريع النافذ .
3
ـ مخالفة عدم تقيد السلطة التنفيذية في قراراتها الإدارية بمبدأ فصل
السلطات و يقع ذلك حينما تتخذ سلطة إدارية قراراً إدارياً هو في الواقع من
اختصاص السلطة التشريعية . و قد ألغى المجلس المذكور أيضاً بسبب غصب
السلطة التشريعية قرار رئيس البلدية الذي يحدد سعر الليرة العثمانية
الذهبية لأن هذا التحديد يعود للسلطة التشريعية حصرا كما ألغت المحكمة
العليا السابقة في الجمهورية العربية السورية قرار المحافظ القاضي بفرض
عقوبة تأديبية شديدة على أحد الموظفين لأن فرض العقوبات الشديدة يعود إلى
مجلس التأديب .
4
ـ صدور قرار إداري من سلطة إدارية غير مختصة بدلا من سلطة إدارية أخرى ذات
اختصاص. و مثال ذلك أن يصدر وزير المالية قراراً بتعيين موظف في وزارة
التربية أو أن يصدر أحد الكتبة الذين لا يملكون سلطة إصدار القرارات
الإدارية إطلاقاً قراراً إدارياً أو ان تتولى لجنة من لجان مجلس منتخب
إصدار قرار لا يملك إصداره إلا المجلس مجتمعا .
5
ـ صدور قرار عن شخص عادي ليس له أية صفة عامة في موضوع إداري فيعد القرار
معدوماً و لا أثر له و غالباً ما يقرر مجلس الدولة الفرنسي أن العمل
المطعون فيه " باطل ولا أثر له" و هي الصيغة المرادفة للانعدام في قضائه .
نتائج التفرقة بين القرار الباطل و القرار المنعدم :
يمكننا إيجاز الفوارق بين القرار الباطل و القرار المعدوم في النتائج التالية :
ـ
القرار المنعدم ليس له وجود قانوني دون حاجة إلى الغائه بحكم قضائي أو
استدراكه من جانب الإدارة التي تستطيع سحبه في أي وقت تشاء . و نتيجة ذلك
فهو لا يرتب آثارا قانونية و عدم احترامه من جانب الإفراد لا يثير
مسؤوليتهم . و إذا نفذته الإدارة تحملت مسؤولية تعويض الأضرار الناجمة عنه
و يجوز الطعن فيه و في الإجراءات المترتبة عليه دون التقيد بمدة معينة
أمام أي من جهتي القضاء العادي و الإداري .
و
ذلك لأن القرار المعدوم هو بمثابة عمل مادي غير مشروع فيحق للقضاء العادي
النظر في مثل هذه التصرفات . و من جهة أخرى فإن بحث عدم مشروعية القرار
لتقرير ما إذا كان باطلا أم معدوما يجعل القضاء الإداري هو الآخر مختصاً
بالنظر في المنازعة المتعلقة به .
أما
القرار الباطل فيعتبر صحيحاً مرتباً لآثاره ما دام قائماً لم يلغ أو يسحب
أو يحكم القضاء بإلغائه لذلك يلزم الأفراد بإحترامه و تثور مسؤوليتهم في
حالة مقومة تنفيذه كما أن تنفيذه من جانب الإدارة لا يعتبر دائماً خطأ
يستتبع المسؤولية . و يختص القضاء الإداري دون العادي بنظر القرارات
الباطلة .
و
يجب التنويه إلى أن معيار التفرقة بين القرار المنعدم و القرار الباطل
المتمثل في درجة جسامة عدم المشروعية لا ينطوي على قدر من التحديد
الموضوعي الذي بموجبه تتم بسهولة عملية التمييز بينهما .
لذا فإننا نعتقد بضرورة إيجاد معيار واضح و دقيق يمكن من خلاله للإفراد اتخاذ موقف تجاه القرارات التي تصدر عن الإدارة العامة
و
أخيراً لا بد لنا من القول بأن زوال القرار الإداري يمكن أن يتم عن طريق
القضاء الإداري الذي يمكنه أن يتقبل دعاوى الإلغاء بسبب كون القرار معيباً
بأحد عيوب المشروعية( الاختصاص ـ الشكل ـ مخالفة القانون أو الخطأ في
تطبيقه أو تأويله ـ إساءة استعمال السلطة) كما يمكنه أن يتقبل دعاوى
التعويض عن الأضرار الناجمة عن القرارات الإدارية غير المشروعة . و مما لا
شك في أن الرقابة القضائية على تصرفات الإدارة العامة تعد الطريق السليم و
المحايد لإلزام الحكام و المحكومين بمبدأ سيادة القانون .
رأي الدكتور عدنان العجلاني :
قال في كتابه الوجيز في الحقوق الإدارية :
حالات القرارات المنعدمة :
قد
يبلغ العيب في القرارات الإدارية حداً جسيماً تعتبر معه منعدمة أي غير
موجودة قانوناً فلا يعقل في هذه الحالة أن يطلب إلى الأفراد احترام القرار
المنعدم و إلا كان ذلك من قبيل التأييد للقرارات المنعدمة و يكون القرار
الإداري منعدماً في الفرضيات الآتية التي ذكرها الأستاذ والين :
ـ
إذا صدر قرار من موظف لا يتمتع أصلاً بسلطة اتخاذ مقررات كأن يوقع الموظف
المذكور قراراً مكان رئيس البلدية و إذا صدر قرار بلدي من لجنة لا تتمتع
بأي صفة لاتخاذه .
ـ
إذا كان القرار معيباً بخرق مبدأ فصل السلطات كأن تزعم السلطة الإدارية حق
فصل قضايا هي من اختصاص المحاكم على سبيل الحصر و تفصل في قضية تتعلق بحق
الملكية أو حق الارتفاق.
ـ إذا اتخذ أحد الوزراء قراراً مكان وزير آخر .
ـ إذا كان القرار مشوباً بعيب جسيم بيّن كأن يفرض المحافظ ارتفاقاً على أحد الأملاك هو معفى منه قانوناً .
النتائج التي تترتب على القرارات المنعدمة :
1
ـ لا ينشئ القرار المنعدم حقاً و لا يفرض التزاماً فليس له آثار حقوقية
فلا يلزم الأفراد باحترامه و تنفيذه و لا تترتب عليهم أية مسؤولية عن
الامتناع عن تنفيذه .
2
ـ الطعن في القرارات المنعدمة لا يستهدف إلغاء هذه القرارات لأن هذه
القرارات منعدمة في الأصل و إنما يستهدف إعلان إنعدامها و أن ليس لها أي
مفعول .
3 ـ يحق للقضاء العادي أن ينظر في مشروعية القرارات المنعدمة لأن هذا العيب واضح بين و ليس من الصعب اكتشافه .
4
ـ إذا نفذت الإدارة القرار المنعدم ترتكب اعتداء مادياً و قد ذكر الأستاذ
فالين أن مفهوم القرار المنعدم و مفهوم الاعتداء المادي مرتبطان و لكن
مفهوم الانعدام مجاله في القرار النافذ . بينما الاعتداء المادي مجاله في
تدابير التنفيذ .